حين يخاف المثقف

حين يخاف المثقف
TT

حين يخاف المثقف

حين يخاف المثقف

أمام الملك النعمان بن المنذر، وقف الشاعر العربي لبيد بن ربيعة، صارخًا: «الشاعر يخاف أيها الملك، نعم الشاعر يخاف، لأن الشعر بصيرة الحتم وطريق العدم، الشعر تَمّزُقُ الجِراح وانفتاحها أيها الملك، الشاعر يخاف لأن له حواس الذئب وانتباهة الغزالة، لأنه يرى خديعة الظل وكذبة القمر، ولأن في روحه صاعقة الأبد التي لا يتحكم بها أحد، حتى هو نفسه، لأنه يعرف مغبة الحرب ويحترف اشتعالها. الشاعر خائف لأن الحُمّى أصابت الأرض منذ البدء وهو وحده شعر بها، الشاعر يخاف أيها الملك يخاف..».
حوار لبيد مع النعمان، كان مجرد مشهد تمثيلي (تخيّلي) هو الأبرز في مسرحية «لبيد بن ربيعة» التي نجحت بشكل باهر في مهرجان «سوق عكاظ»، وهي من تأليف صالح زمانان وإخراج فطيس بقنة. وجسد شخصية لبيد بن ربيعة الممثل الأردني منذر الرياحنة، وحفلت المسرحية التي غاب عنها العنصر النسائي (طبعًا)، بمشاركة الفنانين السعوديين: إبراهيم الحساوي، وتركي اليوسف، ونايف خلف، وخالد الصقر، وشجاع الشباطي.
«الشاعر يخاف».. كان مدخلا لحوار فلسفي عَبَر محيط الزمان بين «المثقف» و«السلطة» ولأنه يخاف أصبح مشلولاً ومعطلاً. المثقف يخاف، والخائف يلوذ بضعفه ومسكنته. والخوف لا يأتي بالضرورة من السلطة، أي من قمع السلطة وبطشها، بل من سطوة السائد وخشية مخالفته، ومن الجوع، ومن رهبة الجمهور..
في كتابه «الخوف من الحرية»، الذي ألفه في عام 1941، يضرب إريك فروم، عالم النفس والفيلسوف الأميركي (من أصول ألمانية) مثلاً قاسيًا، فهو يرى أن علاقة الإنسان بالسلطة المقيدة لحريته (أي سلطة) تشبه علاقة الطفل بمصدر رضاعته، فهو يحتاج لكي يتحرر منه إلى «فطام»، يعيد دمجه مرة أخرى مع العالم. برأي المؤلف فإن الخوف من الحرية كانت له آثار كارثية على أوروبا فقد أدت لصعود النازية واستعار الحروب.
الأسبوع الماضي، أعطى أستاذ السرديات بجامعة الملك عبد العزيز الدكتور حسن النعمي (جريدة «اليوم» 22 أغسطس/ آب 2015)، معنى آخر لخوف المثقف. وهو أن يخسر دوره في التنوير. يقول: «لم تستطع الثقافة العربية من مشرقها إلى مغربها أخذ المبادرة، لأن المثقف ظل متهمًا مطاردًا، أو متملقًا مذعنًا للواقع من حوله». يضيف: «بهذا المعنى خسرت الثقافة القدرة على التنوير، على بث الوعي لأن المثقف ظل منبوذًا مدانًا، وانتهى به الأمر للتسليم للواقع».
النعمي يرى أن الصورة النموذجية لدور الثقافة (والمثقف) في صنع التغيير كانت «في عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين - عندما - كانت مقومات المجتمع ومعطياته تدفع بتقديم خطاب ثقافي متجاوز لمخزون التراث بإضافة روافد جديدة من الانفتاح على الثقافة العالمية والإنسانية»، وكانت النتيجة «بناء جيل منفتح لديه قابلية التوازن، ولديه القدرة على فهم العالم بشكل أكبر». و«كان الخطاب الإسلامي في تلك المرحلة متصالحًا مع نفسه ومع العالم».. لكنّ الانتكاسة حصلت «مع هيمنة العسكر في الخمسينات والستينات الميلادية، إذ كان خطاب العسكر إقصائيًا ولم يستوعب الشخصية العربية التي لا تعمل إلا في سياق من الحريات النسبية».
ماذا نجني من خوف المثقفين وخنوعهم عن ممارسة النقد وتصحيح حركة المجتمع وإطلاق العنان للتفكير الحرّ، سوى تكريس الفكر السائد وتعطيل الحركة نحو الإبداع والتنوير؟



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.