سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

غاندي وطاغور: الإنسانية ملجأ أخيرًا

اختلف طاغور وغاندي أيضًا حول الحماس الوطني، أو القومي. وبسبب الحماس الذي أظهره بعض أعضاء الحركة الاستقلالية، امتنع عن المشاركة الفعلية في السياسات الراهنة. أراد أن يؤكد حق الهند في الاستقلال من دون أن يحول ذلك دون ما تستطيع أن تتعلمه - بحرية وفائدة - من الخارج. وكان يخشى أن يؤدي الإصرار على الإرث الهندي وحده، إلى الحرمان من التأثيرات الحضارية الأخرى التي عرفتها البلاد، وخصوصًا الإسلام الذي دخلها في القرن الثامن.
بسبب هذا الموقف، تعرّض طاغور لانتقادات كثيرة، في الهند وخارجها. واتهمه جورج لوكاش، بأنه «بورجوازي صغير في خدمة الشرطة البريطانية»، وبأنه «صورة كاريكاتورية محتقرة عن غاندي». ودافع عنه الألماني برتولت بريخت قائلاً: «إن مشاعر الكره ضد جماعة معينة قد تجيز الحقد على جماعات أخرى». نقل طاغور هذه النظرية إلى مشاعره حيال اليابان التي أُعجب بنهضتها، وانتقد عصبيتها، وامتدح قيامها كدولة آسيوية في وجه الغرب. تُرجمت أعمال طاغور إلى لغات كثيرة، منها الروسية. وبين مترجميه في الستينات بوريس باسترناك الذي مُنح جائزة نوبل على «دكتور جيفاغو». وفي الثلاثينات، دعي إلى موسكو وعاد معجبًا بما يقوله السوفيات في حقل التعليم من أجل محاربة الفقر والتخلُّف. والشاعر في طاغور لم يهتم كثيرًا إلى التناقض في الإعجاب بين فاشية موسوليني في إيطاليا وماركسية الروس.
بسبب تركه المبكر للمدرسة اهتم اهتمامًا شديدًا بنشر التعليم في الهند. وأنشأ مدرسة مختلطة شبه مجانية، كان يصرف عليها من جائزة نوبل، ومن أجور المحاضرات حول العالم. والأمر الآخر الذي أدخله إلى مدرسته، التي لا تزال قائمة إلى الآن، هو الصفوف في الهواء الطلق كلما سمح الطقس بذلك. ويقول حامل نوبل للاقتصاد أمارتيا سن، الذي تلقى علومه الأولى فيها، إنه وجد الفكرة مثيرة.
غير أن الهند اليوم لا تزال مبتلاة بمعدلات أمية مريعة. ماذا كان سيفعل لو عاد بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال ليكتشف أن ثلثي النساء لا يستطعن القراءة أو الكتابة. وربما سره ما كتب إدوارد طومبسون: «جميع تأثيرات العالم تبحر في هذا المجتمع: الهندوسية، والإسلام، والمسيحية، والعلمانية، والستالينية، والليبرالية، والماوية، والاشتراكية، والديمقراطية والغاندية. ليس هناك فكرة يفكر بها في الغرب أو الشرق، لا تختمر في العقل الهندي».
منحت جامعة أوكسفورد طاغور الدكتوراه الفخرية عام 1940. وقال في خطاب القبول إن اللغة الإنجليزية تفتح الأبواب أمام أهم أدب سياسي في التاريخ، لكن لغته، السنسكريتية، تفتح الأبواب أمام أشجى آداب العالم.