يبدو أن أسعار النفط ما زالت تُراهن على السير في الاتجاه الهبوطي، فقبل أكثر من عام بقليل كان من المؤكد أن سعر 100 دولار للبرميل سيستمر لسنوات قادمة.. ولكن سوق النفط شهدت انهيارا منذ ذلك الحين وتراجعت أسعار خام غرب تكساس الوسيط إلى ما هو أقل من 42 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى منذ أوائل عام 2009، عندما كان الاقتصاد العالمي في خضم أزمة مالية ضخمة وركود.
ومن المعروف على نطاق واسع أن انهيار أسعار النفط بدأت فعليًا في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما قررت أوبك الحفاظ على الإنتاج في مواجهة وفرة في المعروض.
ومن غير المتوقع أن يكون هناك تحول في اتجاهات الأسعار نظرًا لظروف السوق الحالية، بما في ذلك سياسات أوبك التوسعية في الإنتاج، والاتفاق النووي الإيراني، وعدم اليقين بشأن النمو في الصين، لذا يتوقع المحللون استمرار انخفاض أسعار النفط لمدة عام آخر على الأقل.
وقالت شركة «كامكو للاستثمار» إن كثيرا من التطورات السلبية على صعيد الاقتصاد العالمي، إضافة إلى مشكلات العرض والطلب في سوق النفط، أدت إلى تهاوي أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ شهور كثيرة.
والتباطؤ الاقتصادي العالمي هو من أهم العوامل الداعمة لاستمرار الاتجاه الهبوطي لأسعار النفط، فالركود الاقتصادي وخصوصا في الصين التي تعتبر محركا أساسيا للاقتصاد العالمي أثر بشكل مباشر على أسعار النفط، وتراجع طلبات المصانع وخصوصا الصادرات، وتراجع مؤشر أسعار المنتجين إلى أدنى مستوى منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2009، إضافة إلى التوقعات باحتمال تسجيل الصين معدل النمو الأدنى منذ أكثر من عقد من الزمان، ليصل إلى 7 في المائة أو حتى أدنى من ذلك، كل تلك العوامل تزيد من التأثير السلبي على النفط الخام.
ووفقًا لتقرير «كامكو» الذي تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، فإن من بين التطورات الهامة تخفيض البنك المركزي الصيني قيمة اليوان بنسبة 1.9 و1 و1.1 في المائة على التوالي خلال ثلاثة أيام فقط خلال الأسبوع الماضي، من أجل تحفيز النمو الاقتصادي للصين ودعم الصادرات، مما أدى إلى تراجع سعر اليوان إلى أدنى مستوى له خلال العقدين الماضيين.
وأظهرت بيانات رسمية انكماش الاقتصاد الياباني خلال الربع الثاني من العام الحالي بنسبة 1.6 في المائة على أساس سنوي، ما أثار المخاوف بشأن الطلب على النفط.
ويتوقع خبراء في هذا المجال استمرار هبوط الأسعار، خصوصا أن منظمة أوبك مستمرة في إنتاج النفط عند مستويات قياسية رغم ارتفاع الإنتاج من الدول خارجها، الأمر الذي يجعل الغموض يخيم على الأسواق ويصعب على الخبراء النفطيين توقع ارتفاع الأسعار على المدى المتوسط والبعيد.
ومن غير المتوقع تحسن الأسعار بحلول نهاية العام الحالي، إذ تفقد الأسعار مزيدا من قيمتها في ظل قُرب عودة النفط الإيراني إلى الأسواق.
ويقول الدكتور محمد السقا، وهو أستاذ الاقتصاد بجامعة الكويت، إن التهديد الأساسي لأسعار النفط حاليًا هو الاتفاق النووي، إذ إن إلغاء الحظر على إيران سيسفر عن زيادة عرض النفط الناتجة عن قيام إيران بإنتاج حصتها كاملة من النفط في إطار منظمة الأوبك، والمنافسة مع دول المنطقة في بيعها لمستهلكيها السابقين في العالم والذين يشتري يعضهم حاليا من الدول الأخرى في المنطقة، أو منافسة الدول المنتجة حاليا على مستهلكيها التقليديين.
ويُضيف السقا لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «باختصار عودة إيران قد تحدث ضغوطًا على أسعار النفط في السوق العالمية، وهو أمر يمكن التغلب عليه لو استطاعت أوبك أن تلعب دورها الصحيح في توازن السوق عند أسعار مرتفعة للنفط، وهو ما لا تفعله أوبك حاليًا، لذلك يتوقع أن يتراجع سعر النفط مع عودة إيران».
وجاء في تقرير للبنك الدولي، نشر الأسبوع الماضي، أن «العودة الكاملة لإيران إلى السوق العالمية ستضيف نحو مليون برميل يوميًا، وسينخفض بالتالي سعر البرميل نحو عشرة دولارات العام المقبل».
وفي الوقت نفسه، أظهر أحدث تقرير لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على الإنتاج الصناعي والتصنيع أن الإنتاج في آبار النفط والغاز ارتفع بنسبة 1.3 في المائة في يوليو (تموز) الماضي، وهي أول زيادة شهرية منذ سبتمبر (أيلول) 2014 عندما كان سعر خام غرب تكساس الوسيط النفط الخام أقرب إلى 95 دولارًا للبرميل.
وفي تقرير صادر عن بنك «باركليز»، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، قال الخبير الاقتصادي جيسي هورويتز إنه لا يرى أن هذا النمو في الإنتاج الصناعي قد يُنذر بتحول كبير في صناعة النفط والغاز، وبالتالي لن يُمثل عامل ضغط على أسعار النفط عالميًا.
وفي مذكرة للعملاء في أعقاب التقرير، كتب هورويتز: «هذا الاستقرار في الناتج من الصناعة هو على نطاق واسع يتماشى مع بيانات أسبوعية عن (بيكر هيوز) بعودة بعض منصات الحفر الأميركية للعمل مُجددًا». ويقول هورويتز: «بشكل عام، نحن لا نزال نرى قوة الدولار وانخفاض أسعار الطاقة على أنها تشكل الرياح المعاكسة للناتج الصناعي.. ولا نبحث عن انتعاش قوي في القطاع هذا العام».
من جانبه، يقول بول هاريس، رئيس إدارة مخاطر الموارد الطبيعية في بنك آيرلندا للأسواق العالمية: «هذه السنة ستكون سنة من الفائض». ويتوقع هاريس أن خام برنت القياسي الذي يتداول بالقرب من مستوياته عشية الأزمة المالية العالمية في 2008 عند أقل من 50 دولارًا للبرميل، سيتعافى بحلول نهاية هذا العام إلى 60 دولارًا للبرميل، بينما سيعزز الشتاء من الطلب على الطاقة في نصف الكرة الشمالي.
أما جون كيلدوف، الشريك المؤسس في شركة «كابيتال»، فيقول: «أعتقد بالتأكيد أن أسعار النفط ستتراجع كثيرًا في الأيام والأسابيع المقبلة». وأضاف كيلدوف، في مقابلة مع «CNBC» أن «المحفز لتراجع الأسعار هو ارتفاع عدد حفارات النفط في الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يزيد من المخاوف باستمرار تخمة المعروض النفطي».
وأفادت شركة «بيكر هيوز» الأميركية للخدمات النفطية بأن منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة ارتفعت للأسبوع الرابع على التوالي، رغم هبوط الأسعار. وقالت «بيكر هيوز» إن عدد منصات التنقيب عن النفط ارتفع بمقدار 2 إلى 672 خلال الأسبوع المنتهي الجمعة 14 أغسطس (آب).
وبحسب خبراء نفطيين فإن النفط الصخري تجاوز تحديات السوق، وبدأت الشركات المنتجة في إعادة تدويله من جديد، بدعم التكنولوجيا وارتفاع الطلب.
وتتراجع أسعار النفط لما دون الخمسين دولارا، ويتوقع عدد من المحللين في الشأن النفطي استمرار التراجع في الأسعار لما هو أدنى من 30 دولارًا للبرميل.
* الوحدة الاقتصادية بـ«الشرق الأوسط»