وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

صيف وشتاء على سطح واحد

بين أنقرة وواشنطن، كما يبدو من اتفاقهما على تطهير شمال شرقي سوريا من «الداعشيين»، علاقة ظاهر وباطن قد تكون متعمدة من الطرفين.
ظاهر العلاقة تحالف واضح بين الجانبين للقضاء، عسكريًا، على دولة الخلافة الإسلامية المزعومة. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن التقاء أميركي - تركي على استراتيجية المواجهة العسكرية وتكتيكها معًا.
أما باطن العلاقة فيكمن في رغبة تركيا غير الخافية في تجاوز الاستراتيجية الأميركية التي تركز على القضاء على ما يمثله «داعش» من ظاهرة إرهابية، إلى حد دعم الثوار السوريين في سعيهم للإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد.
بين الظاهر الأميركي والباطن التركي ضحية محتملة: الدولة الكردية التي يعمل المقاتلون الأكراد على تكريس وجودها على الحدود السورية - التركية، بمؤازرة مباشرة أو غير مباشرة من خصم تركيا اللدود، حزب العمال الكردستاني.
ما زالت التفاصيل الدقيقة للاتفاق التركي - الأميركي المفاجئ غير واضحة الأبعاد، وغير معلنة بالكامل. لكنه، في أحسن الحالات، يعتبر اتفاقًا على خطة عسكرية لا تلغي التباين في الهدف السياسي بين الدولتين.
ربما كانت رغبة الإدارة الأميركية في «استرضاء» تركيا بعد ما أظهرته من تقارب غير مسبوق مع جارتها الإقليمية، إيران، أحد أسباب التوصل إلى اتفاق عسكري بينهما بعد طول تردد.
وربما كان عدم تجاوب واشنطن مع مطالبة تركيا منذ أربع سنوات بإقامة «منطقة آمنة» داخل الأراضي السورية، وتفاقم التهديد الداعشي - الكردي لحدودها الجنوبية، سببًا آخر لقبولها بوضع قاعدة إنجرليك الجوية تحت تصرّف سلاح الجو الأميركي.
.. لكن السؤال يبقى: من هو المستفيد الأكبر من الاتفاق؟
قد يصح الاستنتاج بأن تركيا هي المستفيد الأول من الاتفاق، فإذا كان مكسب الولايات المتحدة محض عسكري، أي إيجاد جهة تتحمل عنها عبء مقاومة «داعش» ميدانيًا على أرض المعركة، فإن تركيا انتزعت من الولايات المتحدة تنازلاً عسكريًا وسياسيًا في آن واحد يتمثل في قبول إدارة أوباما إقامة المنطقة الآمنة على طول حدودها مع سوريا. ورغم أن قيام المنطقة لا يستتبع حظرًا للطيران في أجوائها، ورغم أن عمق المنطقة لم يعلن عنه رسميًا بعد، فإن قيامها يشكل نطاقًا جغرافيًا محميًا لاحتضان قيام حكومة معارضة على أرض سورية محررة - إضافة طبعًا إلى ما ستشكله المنطقة من ملاذ آمن للمواطنين السوريين النازحين من بلداتهم ومناطقهم.
ربما كان هذا «التنازل» أقصى ما يمكن انتزاعه من معارضة أميركية للنظام السوري، في وقت بدأت فيه الحملة الانتخابية المبكرة للحزب الديمقراطي تتحدث عن تفضيل نظام الأسد على حكم «داعش»، النظام البديل في نظرها. وتظهر أهمية هذا «التنازل» الأميركي لتركيا في رفض واشنطن، حتى الآن على الأقل، إقامة منطقة آمنة أكثر ضرورة على حدود سوريا الجنوبية مع الأردن.
وبالمقابل، لا جدال في أن السماح للمقاتلات الأميركية باستخدام قاعدة «إنجرليك» الجوية يجعل قواعد «داعش» في سوريا على مرمى حجر من نقطة انطلاقها، ويتيح لكل طلعة من طلعاتها فترة زمنية أطول لتنفيذ مهامها.
إلا أن الإشكال السياسي المفترض أن تثيره الحملة الأميركية مع تركيا هو ترافقها مع حملات قصف طيران النظام السوري المتواصلة على تجمعات «داعش» في المنطقة ذاتها، الأمر الذي يجعل الأميركيين حلفاء غير معلنين للنظام السوري فيما حليفهم الأطلسي، تركيا، يدعم فصائل سورية معارضة تعمل على إسقاط هذا النظام.
صيف وشتاء على سطح واحد؟
لمَ لا، إذا كان التطبيق العملي للاتفاق التركي - الأميركي يفترض «غض طرف» واشنطن عن حملة الجيش التركي ضد حلفائها الأكراد في سوريا، وكذلك عن دعمها للمعارضة السورية المسلحة مقابل «غض طرف» أنقرة عن تحالف «الأمر الواقع» بين الولايات المتحدة والنظام السوري في حملتهما العسكرية شبه المشتركة على «داعش».