جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

يخلق من الشبه ملايين !

لفتني شريط مصور على طريقة الصور المتحركة تداولته وسائل التواصل الاجتماعي أخيرا، إنه قصير مضحك وفيه مغزى مهم جدا.
دعوني أشرح تفاصيل الفيلم على قدر المستطاع في حال لم تشاهدوه بعد، تبدأ القصة الكاريكاتورية عندما تتوجه السيدة قبيحة الملامح الى جراح تجميل وتقوم بعمليات جراحية لكافة تفاصيل وجهها وتتحول بعدها الى آية في الجمال، تتعرف الى شخص يقع بحبها، يتزوجان ويرزقان بطفلة وفي آخر مشهد من الفيديو تتعالى الصرخات من إحدى غرف المستشفى لنكتشف بعدها بأن هذا الصراخ نابع من حنجرة الزوج المغدور الذي رأى طفلته وهي لا تمت للجمال وجمال أمها بأي صلة، لا من قريب ولا من بعيد.
وهذا الفيديو ذكرني بحال الفنانات هذه الايام، اللاتي لا يشبهن فلذات أكبادهن على الاطلاق، المشكلة ليست في عمليات التجميل، فلا عيب فيها أبدا، إنما المشكلة تكمن في تغيير الملامح بالكامل فيصعب على الشخص التعرف على وجوههن.
ولطالما سألت نفسي، كيف تشعر تلك المشهورات وهن يعرضن أطفالهن على الصحافة، وهذا الشيء هو نادر جدا، وقد يكون السبب هو إخفاؤهم عمدا حتى يحين موعد تغيير وجوههن عندما يبلغون السن المناسبة لذلك.
على فايسبوك ينشر موقع تابع لاحدى المجلات العربية من وقت الى آخر صور بعض الاطفال ويكتب عليها : "هل تعرف من هو الفنان الشهير والد هذه الطفلة أو الطفل؟" وصدقوني، إذا كانت هذه مسابقة فلن يفوز بها أحد ولا حتى والد الطفل ذاته.
في أوروبا تقوم الفنانات بعمليات تجميل وتكاد لا تخلو واحدة منهن من حقنة "بوتوكس" أو "فيلر" أو حتى عملية تجميل للانف، ولكن تبقى الملامح طبيعية ولكل فنانة جمالها وأسلوبها، ولكن في عالمنا العربي هناك مبالغة بعض الشيء في الخضوع لمشرط الجراح، فتكون النتيجة أن معظم الفنانات وحتى سيدات المجتمع البعيدات عن الاضواء اللاتي يذهبن الى نفس الجراح، يتشابهن في المظهر، ففي بعض الاحيان تختلط علينا الامور ولا نميز ببن فنانة وأخرى، وفي حال لم تكتف الفنانة بتقليد فنانة محلية أخرى، تلحق الغرب وتقلد فنانة غربية متناسية بأن الانف الصغير لا يتناسب مع ملامحنا الشرقية التي تتميز بشفاه بارزة وعيون واسعة.
المشكلة هي أن عيوننا اعتادت على شكل الانف الصغير والعدسات اللاصقة والشفاه المنتفخة.. ففي مرة من المرات كنت عائدة من رحلة عمل برفقة صحافية بريطانية تعمل في إحدى القنوات في لندن، كانت تجلس بجانبي فراحت تشاطرني مشاهدة صور المشاهير واخبار المجتمع فلفتتني ردة فعلها عندما قالت: "يا الهي جميعهن يتشابهن في الملامح، هل هذا الامر طبيعي؟" فكان جوابي: "نعم هذا طبيعي ولو أن الشكل غير طبيعي".
أنا لست ضد عمليات التجميل على الاطلاق، إذا دعت الحاجة اليها وإذا كان من شأنها تحسين حالة الشخص النفسية ولكن، هناك حدود، واللوم لا يقع فقط على "المريض" وهنا أقول مريض لان الافراط في الخضوع لعليات تجميل هي مرض، إنما يقع اللوم أيضا على الاطباء الذين يقبلون بتشويه الوجوه من أجل المال، فتكون النتيجة أنه لا يخلق من الشبه "أربعين" إنما ملايين.