سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

بقعة سوداء في تل أبيض

ليس من قبيل التواضع، الكاذب أو الصادق، ولكن من قبيل التشديد، أنني لا أفهم كثيرًا، وأحيانا أبدًا، في الشؤون العسكرية، وذلك لأنني لم أحب يومًا تدخُّل العسكر في الحياة المدنية، وتخريبهم كل بلد حكموه، وتفليس بلاد الخيرات والأرزاق والثروات. لم أحبهم في أي مكان لأنهم كانوا نسخًا متشابهة في كل مكان، رغم الحالات النادرة والعظيمة: دوايت آيزنهاور. شارل ديغول. وعلى مستوى لبنان، فؤاد شهاب. الثلاثة تركوا بزتهم العسكرية عند باب القصر الرئاسي، وأغنوا الحياة المدنية بالإصلاحات والقانون والاستقرار. والثلاثة غادروا الحكم لحظة الانتهاء، من دون تهريج.
لكننا أحببنا العسكر جنودًا يدافعون عن أمننا وحدودنا ودولة القانون. وأحببناهم حَكَمًا بين الناس، لا حكّامًا متسلِّطين. ولا ضرورة للأمثلة. رجاء مراجعة الخريطة. إلا أنني، رغم الجهل «العسكريتاري»، أحب أن أطرح تساؤلاً ساذجًا: أي نوع من المدنيين كان الجيش المصري يقاتل في سيناء، إذا كان قد فقد 23 قتيلاً في معركة واحدة؟ أي نوع من الأسلحة وأي كمية يخزن هؤلاء «المدنيون»؟ ومنذ متى يخزّن الحوثيون الأسلحة بدل القات، بحيث يقاتلون الدولة اليمنية أيام علي صالح، ثم يقاتلون الدولة معه، بالإضافة إلى فاصل من الحرب مع السعودية قبل أعوام، رغم نوعية الأسلحة التي تتمتع بها؟
لا بد أن مصدرًا، أو أكثر، يمد المتمردين بأنهار وجبال من الأسلحة. من أجل ماذا؟ ومن أجل محاربة مَن؟ عندما تكتشف مصر أن فريقًا من شعبها قد حوَّل جزءًا من أرضها إلى متراسٍ مسلح، يجب أن تقلق، وأن نقلق معها جميعًا. ولن نقول إن إسرائيل تلتزم الأمن في سيناء، بينما الإرهابيون يدمرون أمنها ويخططون لفصلها عن علاقة عمرها سبعة آلاف سنة، من عمر مصر ومن عمر سيناء.
يجب أن نلاحظ أن تفتيت الدول العربية جاء من الداخل، تحت تسميات مختلفة. في سوريا وفي العراق وفي ليبيا وفي اليمن. وزمن «دولة القانون» كان في العراق 350 ألف جندي، جميعهم افتراضيون، إلَّا نحو 12 ألفًا. وعندما أعلن حيدر العبادي قبل أيام تغيير رئيس الأركان، كان التساؤل إن كانت قيادة الأركان هي المشكلة، بعدما قبل الجيش العراقي على نفسه أن يسلم معارك السيادة واستعادة المدن الكبرى إلى ميليشيات حزبية لا تربية وطنية لها، بل ثقافة مذهبية في مرحلة تنقلت فيها المذاهب والأعراق وعروق البشر. لقد كرر الأكراد في تل أبيض الظلم الذي ألحق بهم من قبل، في مثلث العراق - تركيا - سوريا. والظلم لا يُغتفر أيًا كان صاحبه أو سببه. السلوك البشع لا يجمّله أي تبرير. وتل أبيض وصمة سوداء في دفاعات الكرد.