د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

أمور نعلمها كبالغين.. لكن المراهقين قد لا يعلمون!

لا تزال ثمة فجوة واسعة بين ما نتوقع أن المراهقين يعلمون أنه ضار، وبين ما هم بالفعل يعتقدون حوله. وكثيرة هي الأمور الحياتية الصحية التي نعلم، كبالغين وكآباء وأمهات، عن فوائدها وعن أضرارها، ونتصور تلقائيًا أن تلك المعلومات التي لدينا هي بالفعل لدى أطفالنا وأبنائنا وبناتنا المراهقين أو حتى البالغين، ولكن الواقع غير ذلك.
لنأخذ مثالين واضحين جدًا: تدخين ماريغوانا الحشيش Marijuana واستخدام أجهزة السجائر الإلكترونية E - Cigarettes. وبداية نفترض أنه لا يُوجد من الآباء والأمهات منْ لا يعلم حقيقة أنهما ضاران بالصحة البدنية والنفسية، وأنهما من السلوكيات التي على الإنسان أن يتجنبهما، وذلك بناء على وصول المعلومات تلك إليهم كبالغين من مصادر موثوقة عدة.
وضمن عدد 23 يونيو (حزيران) الماضي من مجلة «صحة المراهقين» Journal of Adolescent Health، نشر الباحثون من كلية الطب بجامعة ستانفورد نتائج دراستهم حول هذا الأمر. ولاحظ الباحثون فيها أن المراهقين بالعموم مطلعون جدًا ويعلمون بوضوح مخاطر تدخين سجائر التبغ، وذلك نتيجة للرسائل الواضحة إليهم من عوائلهم أو مدرسيهم أو أقرانهم أو وسائل التواصل الإعلامي والاجتماعي، ولكنهم في نفس الوقت أقل تأكدًا من أن تدخين ماريغوانا الحشيش أو استخدام السجائر الإلكترونية هما من الأفعال الضارة.
وعلقت الدكتورة ماريا روديتيس، الباحثة الرئيسة في الدراسة والمتخصصة في طب المراهقين، بالقول: «الطلاب كانوا بالفعل رائعين في وصف الأشياء الضارة التي قد تحصل نتيجة لتدخين سجائر التبغ، ولكن حينما سألناهم عن الأشياء الأخرى كانوا محتارين ومعلوماتهم مشوشة حولها. ونحن كبالغين نعمل عملاً جيدًا في توصيل الرسائل حول تدخين سجائر التبغ وأضرار ذلك، ولكن علينا القيام بما هو أفضل إزاء الأشياء الأخرى التي قد يُدخنها أو يتعاطاها المراهقون». أما البروفسورة بوني هالبيرن فلشر، الباحثة المشرفة على الدراسة وأستاذة طب المراهقين، فأضافت قائلة: «نحن لا نريد أن تستقر لدى الأطفال والمراهقين رسالةٌ مفادها أن تدخين لفائف التبغ أمر ضار وما عدا ذلك لا بأس به».
وقام الباحثون في دراستهم بمقارنة معرفة المراهقين في إحدى المدارس الثانوية في ولاية كارولينا الشمالية حول ثلاثة أمور: سجائر التبغ واستخدام السجائر الإلكترونية وتدخين ماريغوانا الحشيش. وسبب البحث أن التقارير الحديثة للمراكز الأميركية لمكافحة الأمراض واتقائها CDC أفادت أن تدخين طلاب المدارس الثانوية للسجائر الإلكترونية ارتفع بمقدار ثلاثة أضعاف في الفترة ما بين 2013 و2014. وخلال البحث عقدت ندوات للحديث مع المراهقين من طلاب المدرسة حول تصوراتهم لمخاطر وفوائد سجائر التبغ، والسجائر الإلكترونية وتدخين لفائف الماريغوانا، وما الذي تعلموه حولهم من مدرسيهم أو من أي مصادر أخرى للمعرفة الصحيحة، وحلل الباحثون الموضوعات التي ظهرت في أثناء المناقشات.
وأفاد الطلاب أنهم يعلمون الكثير من الآثار الضارة لتدخين سجائر التبغ، مثل صفرة الأسنان ورائحة الفم الكريهة ومخاطر الإصابة بالأمراض على المدى الطويل، وأفادوا أيضا أن الأعراف الاجتماعية في كثير من الأحيان تحث على عدم تدخين سجائر التبغ التقليدية. والأهم إفادتهم أن تدخين لفائف سجائر محتوية على الماريغوانا هو شيء غريب وغير مقبول لأنه يُشبه لفافة سجائر التبغ، وليس لسبب آخر يتعلق بالماريغوانا نفسها وأضرارها! ليس هذا فحسب، بل رأى التلاميذ أن ثمة فوائد لتدخين الماريغوانا ونظروا إليها أنها أكثر أمانًا وأقل تسببًا بالإدمان من تدخين لفائف سجائر التبغ! وكانوا أيضا غير متأكدين ما إذا كان تدخين الماريغوانا يشكل مخاطر صحية، وأفاد بعضهم أنه دخنها تحت ضغط تأثير الأقران. وبالنسبة للسجائر الإلكترونية رأى التلاميذ أن لها بعض الفوائد وأن بعضهم يُفكر جديًا باستخدامها ولم يكونوا متأكدين من أن لها مخاطر صحية.
وعند سؤالهم عن مصادر المعلومات لديهم حول هذه الأمور الثلاثة، أفادوا أنها تنوعت، ذلك أن جميع وسائل الإعلام والأسر والمعلمين حذروا من تدخين سجائر التبغ التقليدية، وأنه وصلتهم رسائل من هذه المصادر عن تدخين الماريغوانا لكنهم قالوا إن من الصعب رفضها لانتشارها بين أقرانهم، وإن المعلومات لديهم قليلة عن السجائر الإلكترونية ولكنهم رأوا أفرادا من الأسر الذين استخدموها كوسيلة بديلة للإقلاع عن تدخين لفائف سجائر التبغ، إضافة إلى رؤية أقرانهم يستخدمون التدخين بها.
وقال الباحثون إن هذه النتائج قد تساعد في تشكيل الرسائل الموجه للمراهقين حول الماريغوانا والسجائر الإلكترونية، وعلى سبيل المثال يجدر أن يعلموا عن احتمالات الإدمان عليهما ومخاطر تدخين أي أجزاء من النباتات المماثلة واحتواء السجائر الإلكترونية على النيكوتين والنكهات التي تُضاف إلى مكونات سائل السجائر الإلكترونية قد تحمل مخاطر أذى وأمراض في الرئة. وقالت البروفسورة هالبيرن فلشر: «يسمع الطلاب الكثير عن تدخين التبغ والقليل عن الماريغوانا والقليل جدًا عن السجائر الإلكترونية، وهذه الفجوة يجب ردمها وملؤها عبر فصول الدراسة ومقدمي الرعاية الصحية والوالدين والوسائل الإعلامية، ونحن لا نريد أن نقلع عن منتج ضار واحد وندع المراهقين بانطباع أن هناك منتجات أخرى، نحن نعلم ضررها، ولكنها لهم لا بأس بها».

* استشاري باطنية وقلب
* مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]