ميشال أبو نجم
TT

واشنطن والشكوى من بطء تدريب المعارضين السوريين

في الأيام الأخيرة أعرب مسؤولون أميركيون عن خيبتهم من تأخر برنامج تدريب أفراد المعارضة السورية وفق برنامجهم المعلن والذي يأملون بموجبه تدريب خمسة آلاف مقاتل في العام لمدة ثلاث سنوات. ورصدت الإدارة الأميركية مبلغ 500 مليون دولار لهذا الغرض وأوجدت قاعدتين أصبحتا اليوم جاهزتين في تركيا والأردن وأرسلت المدربين والأسلحة والتجهيزات. وبعد مرور أكثر من أربعة أشهر على بدء العمل بهذا البرنامج، ما زالت أعداد المؤهلين لاتباع التدريبات ضئيلة للغاية؛ إذ أن هؤلاء يتراوحون ما بين 100 و200 فرد بحسب الكولونيل ستيف وارن، الذي شكا من صعوبة الانتقاء والتأكد من ميول وإيديولوجيات المتطوعين. ولذا، فمن بين 6000 متطوع، نجح 1500 رجل في اجتياز المرحلة الأولى من عملية الاختيار. ومن بين هؤلاء ليس هناك سوى العشر الذي بدأ فعليا عمليات التدريب.
لا يكفي القول إن العملية "صعبة ومعقدة" مثلما يقول الجانب الأميركي بل المهم معرفة الأسباب المسؤولة عن التأخير والبطء في التنفيذ رغم توافر الإطار القانوني والأموال اللازمة والعنصر الإنساني ناهيك عن القواعد الضرورية.
قد يكون من الصعب استيعاب ان البيئة الحاضنة لما يسمى المعارضة السورية "المعتدلة" التي يريد الجانب الأميركي الغرف من خزانها وتدريبها وتمكينها من القتال "تمانع" في قبول عرض سخي كهذا، بينما تعاني من نقص الخبرات وضعف التنظيم. لكن المشكلة تكمن في اصل الخطة الأميركية التي فرض الكونغرس على الإدارة حصر أهدافها بمحاربة "داعش". والحال أن المعارضة السورية المعتدلة التي ترفض "داعش" وتقاتلها سواء في الجنوب أو في الشمال الشرقي وأماكن أخرى من سوريا تسعى لأهداف أخرى أولها إسقاط نظام الرئيس الأسد الذي تقاتله منذ أربع سنوات وبالتالي يمكن تفهم تردد الكثيرين من المنتمين لهذه المعارضة في قبول "الفلسفة" الأميركية التي تفسر، على الهامش، سبب حصر الضربات الجوية الأميركية في سوريا بمواقع "داعش". ثم إن هذا الوضع هو أحد أسباب "الافتراق" بين واشنطن وعدد من حلفائها الإقليميين حيث لا زالت إدارة الرئيس أوباما "تتردد" حيال الجهود والخطط الهادفة لإسقاط نظام الأسد. وخوفها الأكبر الذي تشاركه فيه العديد من الدول الغربية هو تداعي النظام ووصول "داعش" الى دمشق، الأمر الذي سيحدث زلزالا مدويا في المنطقة تتخطى تداعياته الدائرة السورية والإقليمية.
قبل أيام قليلة، شكا خالد خوجا، رئيس الائتلاف السوري المعارض من الخطة الأميركية وتساءل ــ وهو محق في ذلك ــ عن الأسباب التي تجعل واشنطن تمتنع عن "الغرف" من عشرات الآلاف من المقاتلين المنتمين الى الجيش السوري الحر الموجودين على الأرض والذين يتمتعون بخبرات قتالية ولا ينقصهم سوى اكتمال التدريب والتأطير والتسليح الحديث. لكن الشرط الذي تضعه واشنطن ــ الالتزام بمحاربة "داعش" فقط يشكل بطبيعة الحال عائقا كبيرا يحول دون نجاح الخطط الأميركية.
ليس سرا أن نقاشا معمقا يدور داخل أروقة الإدارة الأميركية وبينها وبين الكونغرس حول السياسة الواجب اتباعها إزاء سوريا التي لا تبدو اليوم من بين أولويات الرئيس أوباما. فالأخير له أولويتان اليوم: الأولى، التوصل الى اتفاق حول النووي الإيراني مع طهران، والثانية محاربة "داعش" في العراق ومنعه من النزول الى بغداد أو الاقتراب من المناطق الكردية. أما ما تجاوز ذلك فهو مؤجل ويخضع لمبدأ "إدارة الأزمات" وليس إيجاد حلول لها. وبموازاة ذلك، تخوض واشنطن نقاشات معقدة مع الأطراف الإقليمية ومع موسكو والأرجح مع طهران من أجل "انتقال منتظم" للسلطة في دمشق قوامه محاربة الإرهاب والالتزام ببقاء بنى الدولة السورية لتلافي إعادة إنتاج التجربة العراقية أو الليبية. ويفترض ذلك النجاح في وضع المعارضة المقبولة وأطراف مقبولة من النظام حول طاولة حوار واحدة تفضي الى عملية سياسية انتقالية. لكن أسئلة مثل دور الأسد ومصيره أثناء وبعد المرحلة الانتقالية وتحديد أطراف النظام المقبولة وتوزيع الصلاحيات والسلطات... كل ذلك لا تتوافر له إجابات في الوقت الحالي. بيد أن التطورات الميدانية التي تبين ضعفا "بنيويا" للنظام غير القادر بعد الآن على القتال على عدة جبهات في وقت واحد والمعول على الدعم الميليشياوي من حزب الله وأبو الفضل والإيرانيين وغيرهم ستلزم واشنطن على إعادة النظر في أجندتها السورية التي لم تعد تحتمل الانتظار.
واضح اليوم أن الحرب في سوريا وصلت الى "منعطف" حقيقي ربما يكون عاملا مساعدا على إعادة إطلاق حل سياسي بعدما تبين، من جهة، أن النظام عاجز عن إعادة فرض سيطرته على سوريا كلها، وعاجز من جهة أخرى، عن الاستمرار في ضمان مصالح أطراف كانت داعمة له مثل روسيا مثلا. وعليه، فإن المشاورات الدائرة حاليا مع موسكو واقتراب حلول موعد التوصل الى اتفاق مع إيران، يمكن اعتبارها عوامل "مساعدة" أو على الأقل مؤثرة على الوضع السوري. ولذا، فإن ما قد يلحق بهذا المسار من تطورات سيدفع واشنطن لاحقا على أخذها بعين الاعتبار بما في ذلك إعادة النظر في عملية تدريب المعارضين السوريين الممتنعين حتى الآن عن اللحاق بخططها المبتورة.