«بفضل بضعة مشاهد، ينجز الفيلم، بالكاد، حكايته على نحو حاد يناسب جمهور اليوم». «إنه متعة، لكنه أيضا يحمل المزيد من الشيء نفسه». «هناك شيء خطأ في فيلم يطلب منك أن تذرف الدمع على وحوش مصنوعة بالديجيتال». هذا بعض ما حفل به النقد لفيلم «عالم جيروسيك» Jurassic World. الفقرة الأولى للناقد مايكل فيليبس كتبها في «شيكاغو تربيون». الثانية لكيث فيبس في «ذا ديزولف»، والثالثة لناقدة صحيفة «ميامي هيرالد» رينيه رودريغيز.
حتى ناقدا المجلّتين الرسميّتين لصناعة السينما الأميركية في هوليوود، «فاراياتي» و«ذا هوليوود ريبورتر» لم يثرهما الفيلم كثيرًا. سكوت فونداس كتب في الأولى «إنه متعة لحظية وفي النهاية لا يحقق المطلوب».
تود مكارثي كتب في «ذا هوليوود ريبورتر»: «يدرك الفيلم حجمه وأهميته ويتبع كتاب اللهو حسب رغبة السواد الأكبر من المشاهدين».
لكن هذا السواد الأكبر من المشاهدين لم يكترثوا بما قاله هؤلاء النقاد، ولا حتى النقاد الآخرون الذين وجدوا الفيلم جيّدًا رغم عيوبه. هؤلاء أقبلوا على الفيلم كما لم يفعلوا منذ سنين على أي فيلم آخر، «عالم جيروسيك» أنجز في ثلاثة أيام من العروض في أميركا الشمالية (المتحدة وكندا) 204 ملايين و600 دولار حسب التقديرات الأولية (الأرقام النهائية هذا اليوم). ولم يكن هذا الإقبال خاصًا بالسوق الأميركية وحدها، ففي الوقت ذاته أم الناس في كل مكان حول العالم الفيلم دافعًا فيه ما مجموعه 511 مليونا و800 ألف دولار. وهذا الرقم هو أعلى رقم أنجزه فيلم إلى اليوم متجاوزًا بذلك ما حققه الجزء الأخير من مسلسل «هاري بوتر» سنة 2011. بذلك هو أول فيلم في التاريخ يتجاوز نصف المليار دولار في عروضه الافتتاحية عالميًا.
* أرقام الأمس
وكانت أفضل التقديرات في هوليوود منحت الفيلم احتمال تحقيقه 150 مليون دولار في الداخل الأميركي، لكن الرقم المسجل يتجاوز ما أنجزه «المنتقمون: عصر ألترون» قبل أشهر قليلة عندما حصد في أيام افتتاحه 207 ملايين و400 ألف دولار. وتأتي الصين في مقدّمة الأسواق التي حقق الفيلم فيها نجاحًا كبيرًا، فقد أنجزت الديناصورات هناك أكثر من 100 مليون و800 ألف دولار. السوق البريطانية جاءت ثانية (30 مليون دولار) تلتها المكسيك (16 مليون دولار) ثم كوريا الجنوبية (14 مليونا و400 ألف دولار) وحط الفيلم بنجاح في أستراليا (12 مليونا و500 ألف دولار) وفي روسيا (9 ملايين و400 ألف دولار). بذلك فإن كل التقديرات التي تبثّها مؤسسات الإحصاء في الولايات المتحدة وفي فرنسا وبريطانيا تشير إلى أن الفيلم سيتجاوز المليار دولار ريعًا خلال الأسبوعين المقبلين.
هذا، بحد ذاته، ارتفاع كبير عن كل الأرقام التي سجلتها السلسلة من قبل وهو يصاحب ارتفاعًا في ميزانية كل فيلم من تلك الرباعية المنتجة حتى الآن.
الفيلم الأول (1993) كان من إخراج ستيفن سبيلبرغ وتكلف 36 مليون دولار (بخشيش قياسًا بتكاليف اليوم) وجلب 920 مليون دولار حول العالم.
سبيلبرغ أخرج الجزء الثاني، تحت عنوان «العالم المفقود: جيروسيك بارك» سنة 1997 وقطف (وشركة يونيفرسال الممولة) 614 مليون دولار بتكلفة وصلت إلى 73 مليون دولار.
الثالث، حمل عنوان «جيروسيك بارك» وحط سنة 2001 تحت إدارة المخرج جو جونستون بينما اكتفى سبيلبرغ بإنتاجه ووضع بصماته الخاصة عليه. هذا الفيلم تكلف 92 مليون دولار واكتفى بـ363 مليون دولار حول العالم.
وسبيلبرغ هو المنتج أيضا لهذا الجزء - العودة. تكلفة الفيلم بلغت 150 مليون دولار وأسند إخراجه إلى كولين تريفورو الذي سبق له وأن أنجز فيلمين صغيرين هما «رياليتي شو» و«الأمان ليس مضمونًا». وهو يبدو، في فيلمه الضخم الأول، متفهما للحاجات المطلوبة والعناصر التي لا غنى عنها لإعادة تسويق ديناصورات الأمس لكنه يقول في حديث له:
«لا أعتقد أنني سأنوي العودة إلى هذه السلسلة أو القيام بإخراج فيلم من أي سلسلة أخرى». وفي رأيه أن «هذه السلسلة مثل السلاسل السينمائية الأخرى، تحتاج إلى مخرج مختلف في كل مرّة لأن ذلك يمنحها التنوّع».
* ذكور وإناث
بوصف ستيفن سبيلبرغ صاحب شركة «أمبلين» التي ينتمي إليها المشروع (وهي إحدى شركتيه في الواقع لجانب «دريمووركس») فإنه في صلب العمل وتأمين متطلباته. هو المنتج المنفّذ كما كان حاله مع الجزء الثالث. وهو لا يفكر بالعودة إلى إخراج جزء خامس ولو أن الجزء الخامس بات، بناء على هذا النجاح، أمرًا مؤكدًا.
ليس فقط أن إيرادات «عالم جيروسيك» دينصورية الحجم، بل هي تجاوزت إيرادات أي من أفلامه الأخيرة إنتاجًا أو إخراجًا. لو نظرنا إلى أفلامه في السنوات العشر الأخيرة فقط، فإنه لا شيء منها يجاور هذا النجاح، رغم أن بعضها أنجز نجاحاته لا بأس بها. فهو أخرج سنة 2004 «ذا ترمينال» وبعده عمد إلى فيلم أكثر تجارية هو «حرب العوالم» (2005) ثم مال إلى الفيلم السياسي في «ميونيخ» (في العام ذاته) وانطلق منتجًا مشاركًا لفيلمي كلينت ايستوود الحربيين «رايات آبائنا» و«رسائل من إيوو جيما» (2006) قبل أن ينجز نجاحًا متوسطًا في رابع حلقة من مغامرات «إنديانا جونز» (2008) وآخر موازي له في «مغامرات تن تن» (2011). أما «حصان حرب» (2011) و«لينكولن» (2012) فلم يهدفا إلى النجاح التجاري بل الفني وإن لم يحققاه أيضًا.
أعلى نجاح له في هذه الفترة كان في سلسلة «ترانسفورمرز» التي أشرف عليها كمنتج منفذ أيضا وأنجز منها أربع حلقات متوسط إيراد كل منها ما بين 400 و500 مليون دولار.
في الصدد ذاته، فإن النجاح الحالي لفيلم «عالم جيروسيك» (الذي سنتناوله نقدًا في صفحة السينما يوم الجمعة المقبل) يكشف عن أنه المسلسل الوحيد المطروح حاليًا الذي لا ينتمي إلى سلسلة «السوبر هيروز» أمثال «المنتقمون» و«آيرون مان» و«باتمان». بذلك تبرز هذه الحيوانات غير المدجّنة كمنافس وحيد لتلك الشخصيات التي تشابهها في جنوح الخيال التي وردت منه.
إلى ذلك، لا يزال الرواد المقبلون صوب هذه الوحوش رغبة في الإثارة الموعودة، ينتمون، بنسبة تزيد على الخمسين في المائة (58 في المائة تحديدًا)، للمشاهدين الذكور. وهؤلاء كانوا العماد الأول لكل حلقات هذا المسلسل سابقًا.
لكن المختلف هذه المرّة هو التالي: الجمهور الحالي هو خليط بين جيلين: جيل تابع الأجزاء الثلاثة السابقة، وجيل جديد كان طفلاً عندما خرج الجزء الثالث إلى الصالات سنة 2001. الأرقام تشير إلى أن 50 في المائة من الرواد عمومًا (ذكورا وإناثًا) هم من دون الـ25 من العمر.
وإذ انطلق الفيلم في 4273 صالة، فإن السعادة تكاد لا تسع شركة التوزيع «يونيفرسال» فهذه الآن تتبوأ الرقم الأول بين أستوديوهات هوليوود الرئيسية في حصتها في السوق الأميركي خصوصًا وأنها كانت أنجزت نجاحًا مرموقًا قبل أسابيع عندما أطلقت «سريع وغاضب 7» الذي تكلّف 190 مليون دولار (كان يمكن أن يخسرها) لكنه جلب في المقابل مليارا و480 مليون دولار من أرجاء العالم.