موريتانيا: جولات الرئيس تتسبب في جدل كبير داخل الأوساط السياسية

المعارضة وصفتها بالكرنفالية.. والأغلبية أكدت طابعها التنموي

موريتانيا: جولات الرئيس تتسبب  في جدل كبير داخل الأوساط السياسية
TT

موريتانيا: جولات الرئيس تتسبب في جدل كبير داخل الأوساط السياسية

موريتانيا: جولات الرئيس تتسبب  في جدل كبير داخل الأوساط السياسية

أثارت زيارات الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز إلى عدد من محافظات البلاد الداخلية، نوعًا من الجدل داخل الساحة السياسية الراكدة منذ عدة أشهر، خاصة بعد تعثر مساعي الحوار بين الأغلبية الحاكمة والمعارضة الراديكالية، حيث وجهت أطراف في المعارضة انتقادات لاذعة إلى هذه الزيارات، فيما دافعت عنها جهات في الأغلبية، متهمة المعارضة بعدم الموضوعية.
وانتقدت المعارضة الموريتانية، ممثلة في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، هذه الزيارات ووصفتها بـ«الكرنفالية»، معتبرة أنها «زيارات عبثية وبلا أهداف، ويتجلى ذلك من خلال غياب أي تدشينات جديدة في الولايات المزورة، والاكتفاء بإعادة تدشين مشاريع قديمة، كان بعضها قد تم تدشينه أكثر من مرة»، وشدد المنتدى على أن الرئيس «تجاهل المشاكل الحقيقية للمواطنين في الولايات التي زارها كالجفاف، ونقص ورداءة الأعلاف، والعطش، ومشاكل الملكية العقارية».
وأضاف منتدى المعارضة، الذي يضم أكثر من 11 حزبا سياسيا وهيئات مجتمعية ونقابية، أن زيارات الرئيس إلى المحافظات الداخلية «أحيت وأذكت الصراعات والنعرات القبلية، وخلقت الأرضية الملائمة لتكاثر عدد لا يحصى من مبادرات التطبيل والتملق سيئة الصيت»، مشددا على أن «هذه الزيارات وضعت النظام في حالة تلبس واضح بالديكتاتورية وبالشمولية، كما أنها أثبتت كذب الدعوى التي تقول بفصل السلطات واستقلاليتها»، وفق تعبيره.
وخلص المنتدى إلى أن الهدف الحقيقي من وراء تحرك الرئيس هو «صرف الأنظار عن الأزمة السياسية والدبلوماسية التي تتخبط فيها البلاد، وعن الحوار الذي لا تريده السلطة الحاكمة أن يكون حوارا جادا، وإنما تريد أن يظل مجرد شعار ترفعه من حين لآخر في إطار سياسة الهروب إلى الأمام».
وأعلن المنتدى، الذي أصدر بيانًا مساء أول من أمس شديد اللهجة عن زيارات الرئيس، نيته الخروج للشارع في مظاهرات للتنديد بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في البلاد، وللتضامن مع سكان الريف الذين يعانون من الجفاف.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد بدأ منذ عدة أشهر جولة قادته إلى تسع محافظات داخل البلاد، قاطعًا بذلك آلاف الكيلومترات، بعضها على متن طائرة عسكرية، والتقى خلال هذه الزيارات بعدد من الزعماء التقليديين والشخصيات السياسية وقادة القبائل، ودشن أيضًا جملة من المشاريع، وأطلق الأشغال في مشاريع أخرى.
وشدد ولد عبد العزيز في أحاديث مع بعض الشخصيات، التي التقى بها خلال هذه الجولات، على أن الهدف منها هو «الاطلاع على مشاكل المواطنين والاستماع إلى مقترحاتهم لحل هذه المشاكل»، ونفى أن تكون حاملة لأي طابع سياسي، رغم الحرب الكلامية التي تدور بين المعارضة والأغلبية الحاكمة حول هذه الزيارات.
وسبق لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا أن أصدر بيانًا شديد اللهجة، انتقد فيه موقف المعارضة من زيارات الرئيس للمحافظات الداخلية، وقال في هذا السياق إن «قصة معارضة المنتدى لزيارات الرئيس بدأت من الحوضين، ويبدو أنها مستمرة لتكشف شيئا فشيئا عن حقيقة منتدى منهار، نذر نفسه لمناهضة كل عمل إصلاحي يسهم في ازدهار البلاد وتحسين ظروف شعبها».
وأضاف الحزب الذي يشارك بقوة في التعبئة لزيارات الرئيس عبر قواعده الشعبية، أن منتدى المعارضة حاول التشويش على الزيارات منذ بدايتها عندما روج لفكرة أن هدفها غير معلن، ويتمثل في «تهيئة الظروف لتعديل دستوري»، وهو ما تأكد عكسه «عندما قطع الرئيس الشك باليقين حول هذه المسألة»، وفق تعبير الحزب الحاكم.
وقال الحزب الحاكم في بيانه المطوّل «لسنا بحاجة للتذكير هنا بأن الصمت كان أولى للمنتدى الغارق في صراعاته الداخلية، غير أن حرصه على مناهضة المصالح العليا للبلاد وقلقه الدائم من أي تحسن في ظروف الشعب، يجعلانه جاهزا للانفعال في كل لحظة توضع فيها لبنة جديدة»، في هذا الطريق.
وتعيش الساحة السياسية الموريتانية على وقع تجاذبات قوية بين المعارضة والأغلبية، ما تسبب في فشل مساعي الحوار التي بدأت مطلع العام الجاري من أجل إنهاء الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ عدة سنوات.



كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
TT

كيف يهدد سقوط الأسد استراتيجية روسيا في أفريقيا؟

بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)
بوتين والأسد يحضران عرضاً عسكرياً في القاعدة الجوية الروسية «حميميم» قرب اللاذقية ديسمبر 2017 (أ.ف.ب)

قال تقرير لوكالة «بلومبرغ» للأنباء إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد في سوريا يُهدد قاعدة «حميميم» الجوية، التي اعتمدت عليها روسيا لفرض نفوذها في مختلف أنحاء أفريقيا.

وبحسب التقرير، تستخدم موسكو القاعدة لإرسال أفراد وإمدادات عسكرية إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وكل هذه الدول شهدت انقلابات مؤخراً، وقطعت علاقاتها مع الغرب، في حين تقترب من موسكو التي مكّنها هذا الجسر الجوي من إعادة بناء بعض نفوذها الذي اكتسبته في حقبة الحرب الباردة في القارة، خصوصاً في أماكن، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى والسودان.

وسمحت قاعدتا «حميميم» الجوية و«طرطوس» البحرية، اللتان تستقبلان الوقود والإمدادات الروسية بتنفيذ توسع رخيص وفعال لنفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي في أفريقيا، والآن قد تحتاج الشبكة التي تدعم عمليات روسيا في القارة، والتي تملأ الفراغ الذي خلفته القوات الغربية المغادرة، إلى إصلاح شامل.

استقبال جندي روسي لبشار الأسد خلال زيارته قاعدة «حميميم» العسكرية في اللاذقية 27 يونيو 2017 (أ.ف.ب)

قال أنس القماطي، مدير معهد صادق، وهو مركز أبحاث مقره ليبيا: «من دون جسر جوي موثوق، تنهار قدرة روسيا على فرض قوتها في أفريقيا، والاستراتيجية العملياتية الروسية بأكملها في البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا مُعلقة بخيط رفيع».

وقال القماطي إنه وفي حين أن روسيا، التي دعمت السلطات في شرق ليبيا، لديها قدرات تشغيلية في 4 قواعد جوية ليبية (الخادم والجفرة والقرضابية وبراك الشاطئ) فإن هذه القواعد ستكون بعيدة جداً، بحيث لا يمكن استخدامها في جسر مجدد من موسكو بسبب قيود المجال الجوي في أوروبا.

وقال رسلان بوخوف، رئيس مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات ومقره موسكو، إن القاعدة الجوية السورية ستكون «خسارة كبيرة» للعمليات الأفريقية؛ حيث «كانت جميع الإمدادات تمر عبر (حميميم)، وهذا مهم بشكل خاص لبلد من دون ميناء، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى».

وبدأت جهود موسكو لإعادة بناء النفوذ في أفريقيا فعلياً عام 2018، عندما تم نشر مرتزقة من مجموعة «فاغنر» المرتبطة بالكرملين في جمهورية أفريقيا الوسطى غير الساحلية، للدفاع عن رئيسها المحاصر ضد هجوم المتمردين.

وفي عام 2019، لعب المقاتلون دوراً رئيساً في محاولة من قِبَل الزعيم الليبي الشرقي خليفة حفتر للاستيلاء على العاصمة طرابلس.

ومنذ ذلك الحين، أرسلت مقاتلين إلى مالي والنيجر وبوركينا فاسو، جنباً إلى جنب مع الأسلحة، ما أدّى إلى زيادة أكبر لبصمتها العالمية خارج الكتلة السوفياتية السابقة.

الرئيس الروسي يلقي كلمة في قاعدة «حميميم» في اللاذقية على الساحل السوري يوم 12 ديسمبر 2017 (سبوتنيك - أ.ب)

وهذا الدعم في خطر؛ لكن المقربين من تلك الحكومات يزعمون أن روسيا ستجد طريقة لمواصلة مساعدتهم.

وقال فيديل غوانجيكا، مستشار رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، إن روسيا «ستكون لديها خطة بديلة»، حتى تظل طرق إمدادها إلى أفريقيا سليمة، سواء باستخدام ليبيا نقطة انطلاق أكثر قوة، أو الوصول إلى جمهورية أفريقيا الوسطى عبر المواني في الكاميرون أو الكونغو، و«لن تكون هناك عواقب على جمهورية أفريقيا الوسطى».

وأضاف غوانجيكا أن أفريقيا الوسطى مستعدة لمساعدة الكرملين في إرسال الإمدادات والجنود من روسيا إلى الحكومات في منطقة الساحل إذا لزم الأمر.

وأعرب إبراهيم حميدو، رئيس إدارة الاتصالات لرئيس الوزراء علي الأمين زين، الذي عيّنه المجلس العسكري في النيجر عام 2023، عن الأفكار نفسها، وقال: «سقوط الأسد لن يُغير علاقاتنا، ويمكن لروسيا أن تجد طرقاً أخرى، من خلال تركيا على سبيل المثال، لدعم النيجر».

وفي حال سمحت تركيا، وهي عضو في حلف شمال الأطلسي، لبعض رحلات الشحن الروسية إلى ليبيا بالمرور عبر مجالها الجوي، فلا يوجد اقتراح فوري بأنها ستعمل بديلاً للجسر الجوي السوري لموسكو، خصوصاً أن مصالح الثنائي في أفريقيا غالباً ما تتباعد.

واقترحت مونيك يلي كام، وهي سياسية في بوركينا فاسو، تدعم المجلس العسكري وعلاقاته القوية مع روسيا، ليبيا خياراً لمساعدة موسكو على «الحفاظ على نفوذها في القارة».

كما لعبت روسيا دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السودانية التي استمرت 20 شهراً؛ حيث ألقت مؤخراً بثقلها خلف الجيش في قتاله ضد «قوات الدعم السريع»، كما تواصل الضغط من أجل إنشاء قاعدة على ساحل البحر الأحمر في البلاد، وهو حلم طويل الأمد، من شأنه نظرياً أن يوسع شبكتها اللوجستية.

مقاتلة روسية في قاعدة «حميميم» جنوب شرقي اللاذقية في سوريا أكتوبر 2015 (سبوتنيك)

ومع ذلك، فإن الاحتفاظ بشبكة النفوذ الروسية مترامية الأطراف في أفريقيا لن يكون سهلاً، وفقاً لأولف ليسينغ، مدير برنامج الساحل في مؤسسة «كونراد أديناور»، وهي مؤسسة بحثية ألمانية.

وقال: «إن سقوط الأسد سيعيق بشكل كبير العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، وكانت جميع الرحلات الجوية لتوريد المرتزقة، وجلب الذخيرة والأسلحة الجديدة، تمر عبر سوريا. إنها مسافة بعيدة للغاية للطيران بطائرة نقل محملة بالكامل من روسيا إلى أفريقيا، وسيتعين على روسيا تقليص مشاركتها في أفريقيا وسيكون ذلك أكثر تكلفة بكثير».