هدأت أجواء الشارع التركي بعض الشيء أمس، بعد أسابيع من الصخب الانتخابي، الناجم عن الحملات الانتخابية للمرشحين للانتخابات البرلمانية التي ستنطلق في السابعة من صباح اليوم، وتنتهي في الخامسة مساء.
ولعب «الصمت الانتخابي» الذي يفرضه القانون التركي دوره في تهدئة الشارع، حيث عكف السياسيون على إعداد العدة للمنازلة الكبرى اليوم بعيدا عن الإعلام الذي اكتفى أمس ببث بعض البرامج العادية، والوثائقيات التي تتحدث عن عالم الحيوان أو كيفية إعداد بعض المأكولات الشعبية.
لكن نبض الشارع التركي لم يتوقف، ولم تتوقف الأحزاب التركية عن مسعاها لجذب الناخبين من مؤيديها إلى صناديق الاقتراع لزيادة فرصها في الربح.
ورغم أن التجمعات الانتخابية ممنوعة، فإنه كان من الطبيعي ملاحظة بعض تجمعات المواطنين يناقشون أمور الانتخابات ويتوقعون نتائجها، فيما انصرف البعض الآخر إلى أعماله لكسب الرزق؛ «فالسياسة لن تطعم أولادي خبزا» كما يقول هاكان، بائع الكعك المعروف في تركيا بالسميط، عند مدخل شارع الاستقلال الذي يضج بالسائحين من مختلف أنحاء العالم. وهاكان (43 سنة) هو من المؤيدين التقليديين لحزب العدالة والتنمية، وهو يشير إلى أنه صوت للحزب في كل المناسبات السابقة، وسيفعل الشيء نفسه اليوم: «نحن نريد الاستقرار والنمو وفرص العمل، وهو ما حققه لنا دائما حزب العدالة». ويضيف: «انظروا إلى المشاريع، تركيا تتقدم ودورها في العالم يتزايد، وكل الفضل لسياسات (الرئيس التركي رجب طيب) إردوغان... ونحن سنرد له الجميل بالتصويت». ويعترف هاكان بأنه «لا يعرف الكثير عن النظام الرئاسي ولا الفرق بينه وبين النظام القائم حاليا»، لكنه يؤكد ثقته الكبيرة بإردوغان ورئيس الحكومة أحمد داود أوغلو، وسيصوت لحزبه بالتأكيد.
غير أن بائع الكتب في حي مجاور لمنطقة تقسيم الشهيرة، يخالف هاكان الرأي بشدة. تشي صورة كمال كيلتشدار أوغلو المعلقة في متجره الصغير، بهويته الانتخابية، كذلك الصورة الكبيرة لمصطفى كمال باشا، الملقب بأتاتورك، مؤسس الجمهورية العلمانية. يقول وداد، وهو أستاذ متقاعد، إن «أتاتورك» «يتقلب في قبره الآن وهو يشاهد جماعة من الفاشلين تحطم جمهوريته». يبدي وداد كغيره من العلمانيين المتشددين غضبا عارما على سياسات حزب العدالة والتنمية، متحدثا عن «الفساد الذي يغمر الدولة والمشاريع التي تعطى للمقربين، فيما المواطن يزداد فقرا»، ويقول: «الليرة التركية تتهاوى أمام الدولار وهم يتحدثون عن النجاحات الاقتصادية، فأي نجاحات هذه؟!». ويضيف حاملا الليرة، القطعة المعدنية الصغيرة، قائلا: «هذه كانت تساوي 70 سنتا منذ سنتين، وهي لا تساوي ثلاثين اليوم. فهل أفرح بجسر يبنى وأنا أفقد قدرتي على إطعام عائلتي؟». يتدخل أكرم، وهو شاب ثلاثيني يوجد في الدكان الصغير، قائلا: «الحرية أهم من الطعام، ونحن نفتقدها، إذا أطل أحد ما ينتقد السلطان (قاصدا الرئيس إردوغان) ترفع عليه الدعاوى ويدخل السجن، فكيف يختلف هو عن الطغاة الآخرين في العالم؟».
وفي الإطار نفسه، تعتبر جيزام (35 عاما) أن السنوات الـ13 التي مرت من حزب العدالة كانت السوداء في تاريخ البلاد من كل النواحي، وتبرر ذلك بأن «الانقسام داخل المجتمع التركي بات كبيرا، وكأننا على أبواب حرب أهلية، كما أن الحريات في أدنى مستوياتها ورئيسنا الشيخ (إردوغان) يريد أن يسلب المرأة التركية ما تبقى لها من حقوق، وأن يجلسها في البيت للإنجاب وطاعة الزوج، فيما يأخذ أحد وزرائه على المرأة ضحكها بصوت عال».
تؤكد جيزام أنها سوف تصوت لمرشحي المعارضة، وتقول: «سأختار من بينهم من هو الأكفأ بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، فأنا لا أنتمي لأي من الأحزاب، لكنني معارضة لإردوغان ولا أريد له أن يتحول إلى سلطان حقيقي». وعما إذا كانت ستصوت لمرشحي الأكراد، تقول جيزام: «أعتقد ذلك.. سأسمي واحدا منهم في لائحتي الانتخابية، فهم في نهاية المطاف أبناء بلدي، ويشاركونني الغضب حيال إردوغان».
وفي الناحية الأخرى من إسطنبول، حيث التجمعات الكردية، يقول علي (27 سنة) إن أهالي منطقته سيصوتون جميعا لمرشحي «ديمقراطية الشعوب»، مشيرا إلى أن «هؤلاء المرشحين ليسوا جميعا من الأكراد على خلاف ما يروج له إعلام السلطة، فمن بينهم يساريون وشيوعيون ومستقلون سيكونون جنبا إلى جنب مع الأكراد في معركة إسقاط حكم إردوغان».
وفي قهوة صغيرة احتلت مقاعدها جزءا من شارع ضيق، حيث يعيش علي وسط غالبية واسعة من الأكراد، يقول الشاب إن إسطنبول هي أكبر مدينة كردية في العالم، إذ إن فيها أكثر من 3 ملايين كردي يعملون في المهن الصغيرة وأغلبهم سائقو تاكسي وحرفيون، لم يستطيعوا تجاوز هذه الوظائف بسبب سياسات الحرمان التي اتبعتها حيالهم الحكومات المتعاقبة. واعتبر أن «حزب العدالة والتنمية أتى إلينا بشعارات إسلامية، لكنه لم يحقق لنا الحقوق الأساسية التي نريدها، وأهمها الاعتراف بثقافتنا ورفض تتريكنا (جعلنا أتراكا) وتعليم أبنائنا لغتنا وتشبيعهم ثقافتنا وإشعارنا أننا على قدم المساواة مع جميع أبناء البلاد».
أما في حي قاسم باشا الصغير في قلب إسطنبول، فتعود صور ابن الحي رجب طيب إردوغان لتملأ المكان. ورغم أن إردوغان ليس طرفا فعليا في هذه الانتخابات بعد أن أصبح رئيسا للبلاد في نهاية أغسطس (آب) 2014، فإن أبناء الحي يعتبرون أن الولاء له يتوازى مع الولاء لحزب العدالة والتنمية.. ففي تركيا لا يزال الكثيرون يشعرون أن هذه الانتخابات معركة إردوغان وليست معركة أي أحد آخر.
الشارع التركي ينقسم حول إردوغان.. في الانتخابات البرلمانية
المعارضة توجه سهامها إلى الرئيس «المحايد» والموالاة تتعهد له بالولاء
الشارع التركي ينقسم حول إردوغان.. في الانتخابات البرلمانية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة