نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

شكرًا للسيد بلاتر

السيد جوزيف بلاتر، الذي استقال بعد ثلاثة أيام من انتخابه للمرة الخامسة رئيسا للفيفا، كان صديقًا للعرب وللفلسطينيين بشكل خاص، فقد أخذ بيدهم وهم يحاولون بعث رياضتهم، وكرة القدم مركزها وعنوانها، فأغدق عليهم دعمًا ماديًا وعاطفيًا، فردّوا لهم جميله بتسمية الأكاديمية الرياضية عندهم باسمه، وحين كان يزور فلسطين، وقد زارها مرارًا، كان يستقبل بحميمية أعمق من الحميمية التي يستقبل بها أهم الزعماء.
كان ذلك وهو الرئيس الأشهر للفيفا، أما اليوم وبعد استقالته المفاجئة والمدوية، فقد أسدى للفلسطينيين خدمة لم تكن في الحسبان، فما إن انفض مؤتمر الفيفا الذي كان هذه المرة أشبه بمونديال سياسي استحوذ على اهتمام العالم، حتى نشأ لغط صاخب حاد خفنا منه على العلاقة الفلسطينية - الأردنية، التي هي بالنسبة للفلسطينيين من أكثر العلاقات أهمية وتأثيرًا في حياتهم ومصالحهم، فما إن تسربت أخبار أو شكوك حول الموقف الفلسطيني خلال الاستقطاب الحاد داخل المؤتمر الأخير حتى اضطرمت المواقع الإلكترونية والورقية والتلفزيونية بنار لاهبة كادت تأكل الأخضر واليابس في سجال انفلت من عقاله وأربك المواطنين والسياسيين والرياضيين على حد سواء، ويبدو أن أفضل ما أحدثته استقالة بلاتر المفاجئة والغامضة هو وقف السجال المسعور والمنفلت من عقاله بأمل أن يكون وقفًا إلى غير رجعة، ففي الفترة المفروضة على الجميع كفترة التحضير لانتخابات رئاسة الفيفا، وقد تكون لأسابيع أو أشهر فلن يكون هنالك أي مبرر موضوعي لأي نوع من الاقتتال الكلامي بين الأشقاء والأصدقاء، وستكون الأقدار قد ساقت فرصة بطلها بلاتر ليصرخ الفلسطينيون بأعلى الصوت بأننا سوف نصوّت بصورة حاسمة لمصلحة الأمير الكفء علي بن الحسين، ولن نكتفي بالتصويت فقط، بل سنعمل على توظيف علاقاتنا مع كل من نعرف كي يصوّت لمصلحة الأمير الذي لا يقل عن بلاتر دعمًا للرياضة الفلسطينية وتبنيًا لها وعطفًا على نموها وتكرسها عربيًا وإقليميًا ودوليًا.
باستقالة بلاتر، جرى ما يشبه التمديد للمونديال السياسي الذي بدأ قبل أن يفتتح بشهور وسوف يستمر إلى حين انتخاب رئيس جديد واستقباله شكاوى جديدة من الفلسطينيين حول عدم امتثال إسرائيل للقواعد الرياضية في التعامل مع كرة القدم الفلسطينية مثلما سوف يواصل التغلغل السياسي في كرة القدم إلى أعمق الأعماق بدرجة تغلغل كرة القدم في حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات وحتى الدول والقارات.
وإلى أن يعقد مؤتمر انتخاب الرئيس الجديد للفيفا، فإن الرياضيين سيتراجعون إلى المقاعد الخلفية في المشهد الرياضي لتندلع من جديد معارك سياسية بالغة الحدة والشراسة، ولعل هذا ما دفع السيد بلاتر إلى الهروب مبكرًا قبل أن تلتهمه السنة النار التي اندلعت قبل أيام من انعقاد المؤتمر الأخير، وستستمر متصاعدة في الأيام والشهور القادمة؛ ذلك أن ما يجري في معقل الساحرة المستديرة تجاوز الاهتمام في تطوير شروط اللعبة وقوانينها وأحكامها ومواسم انتقالات اللاعبين فيها ليبلغ مستوى الاستثمار الكوني والاستقطاب السياسي والاستغلال المحموم لتوظيف الظاهرة الكونية الأهم في خدمة الأجندات السياسية الصريحة.
لقد ودّع المونديال السياسي للفيفا الذي سيتواصل إلى أجل غير مسمى ذلك الشعار الساذج والمنافق على الأغلب، والذي يرفع كثيرًا في المنتديات والخطب البلاستيكية في المناسبات، وأعني به ذلك الشعار الذي يقضي بفصل الرياضة عن السياسة ولو شكليًا، فالرياضة سياسة بامتياز.