طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

«كان».. حُب السينما وأشياء أخرى!

المهرجانات ليست فقط أفلاما وندوات ولقاءات، لكن هناك تفاصيل متعددة، رتوشا على هامش الصورة. من الممكن أن تلقي ظلالا وتؤدي دورا وترسم ملمحا، يظل يسكنك، بينما قد تغادرك سريعا أفلام لا تستحق حتى زمن المشاهدة.
وهكذا رأيت هذه الدورة في «كان» وهي ترفع شعار «الضبط والربط»، فهذه المدينة الصغيرة بمساحات الجغرافيا، الساحرة بمقياس الجمال، حققت بسبب المهرجان منذ انطلاقه عام 1946 كل هذا الحضور العالمي، حيث يصل عدد زوارها في أسبوعي المهرجان إلى ثلاثة أضعاف عدد سكانها.
«كان» ليست فقط هدفا لعشاق أفلام السينما، ولكن تجد أيضا وبوفرة المهاويس بنجوم السينما، الذين جاءوا من مختلف أنحاء العالم. دائما تلمح من يسألك أن تمنحه دعوة مجانية لفيلم ما يريد مشاهدته، كما أن هناك كُثرا لا يعنيهم سوى صورة مع نجم أو صورة مع السجادة الحمراء التي كان النجم يسير فوقها. بعضهم يعتقد أن الطريق للعالمية يبدأ من شاطئ «الريفييرا»، كل هذا بالطبع لا بأس أن تتعامل معه كظاهرة عادية.. ولكن احترس هناك أيضا اللصوص، نعم هو موسم للسرقة والسطو وخفة اليد، وهكذا زرعت قوات الشرطة عددا مضاعفا من الكاميرات في الشوارع الرئيسية والجانبية المطلة على قصر المهرجان، مما أدى بالفعل إلى تراجع عدد السرقات هذا العام، كما أن هناك حوادث سطو لبطاقة حضور المهرجان، فجأة تجد من يجذب «الكارنيه» المعلق برقبتك، وعليك أن تكن حذرا، فقد يحدث لو قاومت ما لا تحمد عقباه، كما أن جهازك المحمول هدف في الزحام. كل هذا يدعوك للحرص، وإلى تحسس جيبك بين الحين والآخر. لم يرصد في هذه الدورة شيء مبالغ فيه في هذا الشأن، لكني مثلا لاحظت أن المهرجان يتعامل مع الجميع بمن فيهم كريستين إيميه المسؤولة عن المركز الصحافي، بدقة متناهية، فهي تخضع أيضا للتفتيش الدقيق.
وليست هذه فقط هي رتوش الصورة، ولكن مثلا إدارة المهرجان أصدرت العديد من القرارات المنسوبة إلى المدير الفني تيري فريمو، وهو شخصية تمتاز بخفة ظل وسرعة بديهة، خاصة عندما يقف على المسرح مقدما أحد الأفلام.
قرر فريمو أن التصوير «السلفي» ممنوع، مبررا أنه يعطل الحركة على السجادة، مما يؤثر على انضباط توقيت العروض، ورغم ذلك رأينا سيلفستر ستالون وهو يلتقط لنفسه كنوع من التحدي «سلفي»، وسلمى حايك لا تترك الفرصة من دون سلفي، كما أن فريمو فجأة يقرر ضرورة ارتداء النساء الكعب العالي، لأنه شاهد عددا منهن وهن لا يلتزمن ببروتوكول ملابس السهرة، مما يخالف شروط الصعود على السجادة. ويسخر البعض من مدير المهرجان الذي يعلق بأنهم تركوا الأفلام ويتحدثون عن كعب الحذاء الحريمي، وينسى أنه هو الذي دفع الإعلام لهذا الحديث.
ويبقى الموقف العظيم الذي تبنته كل الكنائس المحيطة بقصر المهرجان، مثل «نوتردام»، حيث إنها رفعت كنوع من الرد على مجلة «شارلي إيبدو» شعار «فلنعش معا»، وأسفله كلمة «عُنف» وعليها علامة إكس، ليكتب تحتها ببنط أكبر «سلام»، وكلمة «فُرقة» مشطوبة، ويكتب بدلا منها «وحدة»، وكلمة «كراهة» تُستبدل بها كلمة «أخوة». تلك هي الرسالة التي أتصور أنها شكلت ملمحا مهما لافتا لتلك الدورة. وجهت الكنيسة رأيها للجميع ومن كل الأديان والجنسيات الذين جمعهم حب السينما، نعم الأفلام الجديرة بالمشاهدة متوافرة، ولكن وكما ترى فإن هناك على إطار الصورة لمحات تُضفي سحرا خاصا، بعضها يحمل شغبا وبعضها يملؤك دفئا ورقيا وروحانية.