بعيدًا عن برامج الطبخ التقليدية التي تزخر بها الكثير من القنوات التلفزيونية من خلال طهاة ماهرين ومقدّمي برامج محترفين، فإن الدراما التلفزيونية السورية زخرت في السنوات الأخيرة بتقديم فنون الطهي ومفردات المطبخ السوري ومنه الشامي والحلبي وحتى المطبخ العربي من خلال المسلسلات التلفزيونية المُنْتَجَة والتي تُبْرِزُ في الكثير من فقراتها كيفية تحضير بعض المأكولات الشامية والحلبية وبشكل واقعي من خلال ممثلات عريقات ولديهن الخبرة في الطهي وتحضير هذه المأكولات في المسلسلات التلفزيونية، كسلسلة «باب الحارة» ومسلسلات البيئة الشامية الأخرى ومسلسلات كوميدية مثل ملك التاكسي (أبو جانتي) و«دنيا» وغير ذلك، ولكن الأبرز في هذا المجال كان تصوير مسلسل كامل بثلاثة أجزاء وكل جزء يتألف من ثلاثين حلقة حمل عنوان «زنود الست» يتناول في كل حلقة من حلقاته طريقة تحضير أكلة ما كانت البداية مع المطبخ السوري ومن ثم العربي وحتى الغربي بقالب تمثيلي كوميدي من خلال بطلتي المسلسل الفنانتين وفاء موصلي وسامية الجزائري.
هذا المسلسل (أي «زنود الست») الذي جاء اسمه من حلوى شهيرة تحمل الاسم نفسه ذات شكل دائري تحضّر إلى جانب حلويات دمشقية شرقية معروفة مثل البقلاوة والمبرومة وغيرها، وجاءت تسميتها تشبيهًا بسواعد المرأة التي تنهمك بإعداد أطيب الأكلات لأسرتها، وكان الجزء الأول من إخراج نذير عواد فيما أخرج الجزأين الثاني والثالث منه تامر إسحاق الذي تحدث عنه لـ«الشرق الأوسط» قائلاً: «لقد قمت بتحقيق إضافات على المسلسل في جزأيه الثاني والثالث وجعلته أكثر قربًا من الدراما وحقيقيًا، فهو ليس برنامج طبخ فقط، ففي حين ركّز الجزء الأول منه على المطبخ الشامي نرى في الجزأين الثاني والثالث يدخل لكل مطابخ المدن السورية كالمطبخ الحموي والحلبي والديري والساحلي وللمطابخ العربية كالمصري والخليجي فهو في حيثياته يركز على مطبخ (أم النور) تؤدي الشخصية الممثلة السورية (وفاء موصلي) حيث تحول منزلها إلى بانسيون يسكن لديها أناس مستأجرون ومن خلالهم يتم التعرف والدخول إلى مطابخ المدن السورية والعربية والتعرف على كيفية تحضير أشهر المأكولات في هذه المطابخ مع لمسات درامية وأحداث واقعية تحصل في منزل أم النور.. لقد أحببت جو العمل - يتابع إسحاق - وأضفت عليه الكثير وقدّمته بطريقة مختلفة بحيث لا يصنف جزءا ثانيا أو ثالثا، بل عملا جديدا، حيث اعتمدت فرضيات جديدة للعمل مع المحافظة على الجو العام وعلى شخصية أم النور كشخصية دمشقية موجودة، فهي سيدة عصرية مع المحافظة على البيت الدمشقي وعاداته وتقاليده، ولكن نقول للمشاهد هنا إننا نعيش في أعوام 2013 و2014 وليس في القرون الماضية كما هي أعمال البيئة الشامية، بل تتخلل المسلسل أحداث معاصرة نعيشها حاليًا والعمل يتمركز على قصة درامية مع تفرعات وتشعبات على علاقة بالمطبخ والأكلات المعروفة من خلال شخصية جاءت لبيت أم النور فمن خلالها نتعرف على أكلات بلدها ولكن هذه الشخصية المستأجرة أو الزائرة تعيش أحداثًا وواقعًا وقصصا مشوقة، والمسلسل الذي عُرِضَ ويعرض على الكثير من القنوات التلفزيونية العربية قدّم أفكارا مفيدة للمرأة لتنوع وجبات الطعام».
وفي الجانب التقني عمل المخرج إسحاق على الاستفادة من الكاميرات في إظهار فنون الطبخ، ففي حين استخدم كاميرتين لتصوير المشاهد الدرامية، استخدم ثلاث كاميرات لتصوير عملية الطهي، فكل طبخة يتم إعدادها أكثر من مرة لتقدم كل تفاصيلها، وهو أمر مدروس وهادف لخدمة المسلسل وفنون الطبخ ومفرداته. كما أن الطريف في هذا المسلسل، وهو يأخذ طابع الكوميديا، أنه مسلسل نسائي بامتياز، خاصة في جزأيه الأول والثاني، حيث جميع المشاركين فيه من الممثلات السوريات والعربيات، فيما حقق تمايزًا في الجزء الثالث بإشراك العنصر الذكوري حيث شاهدنا ممثلا يحل ضيفًا على المسلسل ويلعب دور «الشيف» إضافة لاستقبال شخصيات ذكورية أخرى تساهم في تشكيل مشهد درامي متكامل.
* «باب الحارة»
* في مسلسل «باب الحارة» الذي سيشاهد الجمهور في رمضان المقبل الجزء السابع الجديد منه حَرَصَ القائمون عليه على إبراز الأكلات الشامية التراثية بحيث تحاكي الفترة الزمنية التي يصوّرها المسلسل ورغم تراثيتها فإن الكثير من النساء الدمشقيات ما زلن يحضّرنها في منازلهن وكذلك حال المطاعم الدمشقية التي تقدّمها لمن يرغب.
في «باب الحارة» نشاهد الداية البلدية «أم زكي» وهي المغرمة بتناول الطعام اللذيذ المذاق ولعبت الدور بجدارة الفنانة السورية المخضرمة هدى شعراوي، نشاهدها ليس فقط تساعد نساء الحارة بالولادة، بل حتى بتحضير الطعام لأسرهن، وهي التي ستحصل على جزء منه حسب التقاليد الشامية المعروفة، حيث لا بد لكل منزل تزوره الداية التي تعتبر أما للجميع في الحارة، أن تأكل لديهم من أكلات البيت، وأن يعطوها حصّتها من الطعام لتأخذه لمنزلها. توضح الفنانة شعراوي لـ«الشرق الأوسط»: «في (باب الحارة) كنّا نحضر الأكلات بأنفسنا وإذا تعذّر علينا ذلك لضيق الوقت يقوم مدير الإنتاج بطلبها من المطاعم ويشترط عليهم أن تكون معدّة بشكل صحيح وكما تُطْبَخْ في البيوت الشامية حتى يكون لها مصداقية أمام المشاهد، وبرأيي - تتابع شعراوي - أن (باب الحارة) هو أهم مسلسل سوري قدّم المطبخ الشامي العريق بشكله الحقيقي والتقاليد المعروفة في هذا المجال التي ما زال الشوام يتبعونها، ومنها مثلاً وجود (التسقية) والفول والمسبحة على مائدة الفطور يوم الجمعة أسبوعيًا، صيفًا وشتاء، وحتى البعض يتناولها في معظم أيام الأسبوع، وهناك العشاء الشامي التقليدي حيث النواشف كالجبنة واللبنة والمكدوس والزيتون، وغيرها على سفرة العشاء، وساهم (باب الحارة) بالتعريف بها، وفي مشاهد من حلقات المسلسل كنّا نحضر الكبّة بالطريقة الشامية وحرّاق بأصبعوا وكذلك التسقية واليبرق والمحاشي، وكوني داية فلا بد من تناول ما يسمى بالشام (كسر الصفرة) أي تناول وجبة الفطور في المنزل الذي أزوره ويحملونني الأكلات اللذيذة بـ(السك) الذي أحمله معي دائمًا، وآتي بها لبيتي. أبرز (باب الحارة) مثلاً - تبتسم هدى - تقليدا دمشقيا عريقا يخص المولود والداية وهو (سفرة الخلاص) الذي يجب أن تقدّمها كل أسرة يولد لديها مولود جديد تجهزّها أهل الولادة للداية ونساء الحارة، وسفرة الخلاص مائدة طعام تتضمن جميع أنواع المقبلّات والوجبات الشامية الرئيسية».
الفنانة غادة بشور وهي أدّت دور الداية أيضا في مسلسلات شامية وكوميدية عُرِضَ بعضها في السنوات السابقة كـ«بيت جدي» والآخر سيعرض في الموسم الرمضاني المقبل ومنها مسلسل «دنيا» بجزئه الثاني، ومسلسل «حرائر» وهو تاريخي موثّق، تقول غادة لـ«الشرق الأوسط»: «في هذه المسلسلات كنا نصور الدور الذي يُظْهِر تحضير الأكلات ومنها الشامية التراثية بشكل مباشر وأنا - تضحك غادة - أهوى الطبخ في منزلي فلم أجد مشكلة في المشاركة بتحضير هذه الأكلات في هذه المسلسلات التلفزيونية، خاصة إذا جاء في سياق الدور الذي أؤديه في المسلسل. وبرأيي فإن مسلسلات كثيرة، ومنها (زنود الست) حيث شاركت بحلقتين فيه ودخلت المطبخ، خدمت المطبخ من خلال تعليم المشاهدات كيفية تحضير بعض الأكلات العريقة في منازلهن».