طارق الشناوي
ناقد سينمائي، وكاتب صحافي، وأستاذ مادة النقد بكلية الإعلام في جامعة القاهرة. أصدر نحو 30 كتاباً في السينما والغناء، ورأس وشارك في لجان تحكيم العديد من المهرجانات السينمائية الدولية. حصل على العديد من التكريمات، وقدم أكثر من برنامج في الفضائيات.
TT

احذر.. أنصاف الموهوبين

رمضان على الأبواب، ولهذا يجب أن نستعد جميعا لجرعة درامية وبرامجية تحتاج إلى طاقة للتلقي والاستيعاب تتجاوز في العادة قدراتنا البشرية المحدودة.
ليس هذا هو مربط الفرس، وليست هذه هي قضيتنا هذه المرة، لأن ما استوقفني في الأيام الأخيرة، أنني بدأت أستمع كالعادة إلى كلمات مزعجة تتردد على طريقة «جحا أولى بلحم ثوره»؛ فمن هو جحا الذي يحاولون إقناعه بتناول الثور وحده؟ إنه الممثل المصري في الدراما الذي لم يعد وحده، وخصوصا في الأعمال الرمضانية، حيث صار العمل التلفزيوني عربيًا، ولا يحق لأحد الآن أن يفتش في جواز السفر ليعرف هل مثلا سيرين عبد النور لبنانية، أو جمال سليمان سوري. الدنيا تجاوزت تلك الشكليات مع تغيير قانون التسويق، حيث أصبح العمل الدرامي يُباع إلى الفضائيات العربية بأسماء النجوم. في الماضي، أقصد في زمن التلفزيون الأرضي، كان يكفي المسلسل العرض في نطاق بلد الإنتاج، الآن صار هناك أكثر من جهة عربية لها رأي ينبغي مراجعته أولا.
تاريخيا كانت تلك النعرات نلمحها بين الحين والآخر، وهي تعلن عن نفسها بتبجح، مثل تلك الواقعة الشهيرة في نهاية الأربعينات، عندما هتف عدد كبير من المطربين والمطربات في نقابة الموسيقيين المصرية: «أخي جاوز الظالمون المدى.. جاءت صباح بعد نور الهدى». ولم تنقذ الموقف سوى نقيبة الموسيقيين في تلك السنوات السيدة أم كلثوم التي تصدت لهذه الصيحات الساذجة، التي أرادوا من خلالها إغلاق الباب أمام المطربة صباح، بعد أن سبقتها بسنوات قليلة المطربة اللبنانية نور الهدى.
بعض المطربين بين الحين والآخر يتورطون في تصريحات متشابهة، مثلا طالب مدحت صالح من قبل بألا يغني المطرب العربي إلا لهجة بلاده، رغم أنه مثلا لو تذكر فسيكتشف أن نجاح سلام اللبنانية غنت لمصر واحدة من أشهر الأغاني: «يا أغلي اسم في الوجود.. يا مصر»، ومن هذا الجيل تجد رصيد نانسي عجرم للغناء باللهجة المصرية ولمصر يشكل القسط الأكبر: «أنا مصري وأبويا مصري وخفة دمي مصري»، هل من الممكن أن نخصم من أغانينا كل ما قدمه باللهجة المصرية أسمهان، وفريد، ونجاح سلام، وسعاد محمد، وصباح، وفايزة، ووردة، مرورا بسميرة، ولطيفة، ووصولا إلى أصالة ونانسي وإليسا؟! هل ننسى المطرب الإماراتي حسين الجسمي في «بشرة خير»، ومن فرط غنائه لمصر يطالب كثيرين بمنحه الجنسية المصرية، وديع الصافي ورائعته «عظيمة يا مصر»، وبالمناسبة الراحل وديع منحوه الجنسية المصرية، ولكني لا أتصور أن الأمر يختلف سواء حمل الجنسية أو ظل فقط يحمل جنسية بلده.
قبل ثورة 25 يناير 2011 بعامين مثلا، بدأت نقابة الممثلين تفتش في الجوازات، كنا ندرك وقتها أن الأمر يعبر عن مصالح صغيرة لعدد من النجوم غير المتحققين. يعتقد أحيانا بعض أصحاب المواهب المحدودة أن إزاحة الآخر ستتيح له اعتلاء القمة منفردا، ولم تتمكن النقابة وقتها من فرض قانونها، لأنه في الحقيقة يخاصم مشاعر الناس بقدر ما يخاصم قانون وإيقاع الزمن.
تظل هذه وتلك مجرد ضربات عشوائية في الكواليس، وكلما اقترب موسم رمضان نستشعر أنها تزداد صخبا بطرقات على الباب.
الناس التي تتابع الأغنية أو البرنامج أو المسلسل لا يعنيها البحث عن الهوية، ولكن الإبداع الذي يقفز فوق السور، «أخي جاوز الظالمون المدى»، كما غناها الموسيقار محمد عبد الوهاب قبل سبعين عاما، كانت موجهة فقط للعدو الإسرائيلي، ومرحبا بالفنان العربي على أرضه العربية في أي زمان ومكان رغم أنف أنصاف الموهوبين!!