خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

انتحاري.. وانتحاري!

في هذا الوقت الذي يغرق فيه معظم الدول المتخلفة بالخرافات والبشاعات والداعشيات، يجري في الغرب تدريب مائة عالم من حملة أعلى الشهادات العلمية لاختيار خمسة منهم؛ من الرجال والنساء، للقيام بهذه الرحلة المهيبة في الفضاء، مرورًا بكل هذه النجوم والكواكب والنيازك والمذنبات التي نراها في السماء، للوصول أخيرًا بعد نحو ستة أشهر إلى كوكب المريخ والهبوط على سطحه، محملين بشتى الأجهزة العلمية لإجراء شتى الاختبارات على تربة المريخ وصخوره ومحيطه، وإرسال النتائج مع ملاحظاتهم ومشاهداتهم واكتشافاتهم إلى زملائهم العلماء على كوكبنا هذا؛ الكرة الأرضية.. يومًا سنسمع عنها ونزداد عجبًا على عجب. ولا شك أن هذه الصحيفة، «الشرق الأوسط»، ستكون فيها عندئذ صفحة بعنوان «أخبار المريخ».
من أهداف هؤلاء العلماء، البحث عما إذا كان هناك على المريخ مخلوقات أخرى، أو العثور على أي أثر للحياة هناك.. نباتات أو حيوانات أو حشرات.
ستكون مركبتهم الفضائية قد استهلكت كل وقودها للوصول بهم إلى ذلك المكان القصي، فلا يعود بإمكانهم العودة إلى الأرض.. سيموتون هناك، وبهم ستقام أول مقبرة لبني آدم على كوكب المريخ.
ستختلف الحكاية إذا وجدوا هواء وماء هناك يشربون منه ويزرعون ويحصلون على ما يقيم أودهم.. يتزوجون وينشئون مجتمعًا جديدًا، وبالتالي حضارة مريخية هناك أرجو أن تكون أكثر مدنية وأمنًا من حضارتنا هذه، فليس بين هؤلاء الخمسة أحد من «داعش» أو من التنظيمات المتطرفة الأخرى.
ستسافر هذه النخبة من كبار العلماء بفكرة انتحارية، عالمين بأنهم لن يعودوا للأرض، قد يتيهون في الفضاء وتبقى مركبتهم تدور بهم وتدور في دنيا الأبدية وتنضم إلى بقية الصخور والمذنبات التي تلف وتدور حول الشموس المختلفة في الكيان الفضائي اللامنتهي.
هؤلاء العلماء يقومون بهذا الواجب خدمة للعلم والمعرفة، تمامًا مثل أولئك الذين رحلوا في القرن التاسع عشر إلى القطب الجنوبي وماتوا هناك طلبًا للمعرفة والاكتشاف، ومثل أولئك الأطباء الذين غامروا بحياتهم بحقن أنفسهم بأدوية خطيرة أملاً في تطويعها لمعالجة أخطر الأمراض لإنقاذ البشرية منها.
نعم! نحن أيضا لدينا انتحاريون.. تجدهم في شتى الأماكن؛ في الصومال، وفي العراق، وفي سوريا، وفي مصر، وفي ليبيا، يشدون الحزام الملغوم على بطونهم، يفجرونه ويضحون بحياتهم وشبابهم من أجل ماذا؟ من أجل خدمة الجهل والجهالة، ومعهم يميتون عشرات الأبرياء الذين لا يعرفونهم ولا علاقة لهم بهم أو بأفكارهم أو بأحلامهم وأوهامهم.
انتحاريون وانتحاريون! وشتان ما بين الفريقين، وشتان ما يفعلون! الغربيون نزلوا على القمر ولم يعجبهم، والآن سينزلون في المريخ، والمتطرفون مشغولون بتكفير كل من خالفهم.