خالد القشطيني
صحافي وكاتب ومؤلّف عراقيّ
TT

من الخصخصة إلى القصقصة

ما زلنا نفتقد قفشات القصقصات القصيبية من فقيد الأدب الراحل غازي بن عبد الرحمن القصيبي. المعروف عنه، خارج ميدان السياسة والإدارة، أنه شاعر رومانسي غنائي والقليل من الناس يعرفون شيئا من درره المكنونة في مداعباته وحلمنتيشياته المتناهية في الظرف والطرافة. كان - رحمه الله - شاعرا خفيف الروح وتدفقت هذه الروحية في وصفه وغزله ومداعبة الأحباء ومناغشة العذال. هناك من الشعراء من استظرف في المدح وسخر في الهجاء وداعب الأصدقاء وتهكم من السلطات. ولكن، وبقدر معلوماتي في الأدب العربي، كان غازي القصيبي الشاعر الوحيد الذي توغل في رثائه فداعب حتى الموتى.
وصاحبه ظرفه ودعابته في نسيبه وغزله كما فعل مع الحسناء ذات النظارة السوداء:
عمري إذا أقبلت أمنية
ظمآنة تسأل عن موعد
وأضلع يصهرها شوقها
ورغبة حائرة المقصد
وأنت في القرب خيال دنا
لكنه أنأى من الفرقد
يا طيبه حلما ولو أنني
أعود من حلمي صفر اليد
كل ما في هذه الكلمات من وزن وإيقاع وفكرة يعبر عن خفة روح القصيبي. وكانت هذه الروح تصاحبه حيثما ذهب أو كتب. كان موجودا في إحدى المناسبات عندما طرحت أمامه بعض الوثائق التي تضمنت فكرة الخصخصة، وهي ترجمة للاصطلاح الاقتصادي privatisation، أي النقل من ملكية الدولة أو القطاع العام إلى ملكية الأفراد، أي القطاع الخاص. لم يستطع القصيبي إلا أن يستجيب لدغدغة هذه الكلمة. وحدث لي أن سلمني بيده الكريمة نسخة تحمل هذه الأبيات من وحيها:
بيعك المشروع يدعى «خصخصة»
وانتقاص الناس يدعى «المنقصة»
وإذا ما عشت شهرا كاملا
دون أن تأكل فهي «المخمصة»
وإذا باعوك في بيروتنا
فول سودان فتلك «المحمصة»
وإذا أبصرت شخصا جالسا
ثانيا رجليه فهي «القرفصة»
وإذا ما دولة واحدة
قسمت شطرين فهي «القبرصة»
وإذا رحت تغني ساعة
دون أن تطرب فهي «الوصوصة»
وإذا ما رحت تهذي ساعة
بالفرنساوي فتلك «الفرنصة»
وإذا راقبت أنثى في الدجى
دون أن تشعر فهي «البصبصة»
وإذا هاجمت أطباق العشا
وعرقت العظم فهي «الفصفصة»
وإذا لخبطت هذاك بذاوأضيف فأقول: وإذا ما قرأت قفشة شعرية من سياسي ودبلوماسي مسؤول فاعلم أنها قصقصة قصيبية!