هل تتسبب الأجسام المضادة في حدوث الأمراض العقلية؟

خلل محتمل في جهاز المناعة قد يؤدي إلى حدوثها

هل تتسبب الأجسام المضادة في حدوث الأمراض العقلية؟
TT

هل تتسبب الأجسام المضادة في حدوث الأمراض العقلية؟

هل تتسبب الأجسام المضادة في حدوث الأمراض العقلية؟

من الممكن بسهولة تفهم قيام الجينات بلعب دور في الإصابة بالأمراض العقلية والنفسية، خاصة وأن الجينات تتحكم في الإصابة بالكثير من الأمراض حتى النفسية، لكن من الغريب أن الأجسام المضادة الموجودة في الجسم يمكن أن تكون المسبب في الإصابة بالأمراض العقلية والنفسية في الأطفال.
جاء هذا الاكتشاف في دراسة حديثة تعتبر الأولى من نوعها في العالم، أجراها باحثون من جامعة سيدنى University of Sydney بأستراليا، ونشرت نهاية شهر مارس (آذار) الماضي في دورية الطب النفسى البيولوجى Biological Psychiatry.

* المرض العقلي
اعتمدت الدراسة على فرضية إمكانية حدوث الإصابة بالأمراض العقلية والنفسية نتيجة لأسباب مناعية مثل بعض الأمراض المناعية الأخرى مثل الروماتويد أو مرض البول السكري من النوع الأول وغيرها من الأمراض المناعية. ورغم أن الأسباب المؤكدة للكثير من الأمراض العصبية والنفسية تكون في الأغلب غير معروفة، فإن التوصل إلى سبب يمكن أن يكون مسؤولا عنها، يعتبر مؤشرا جيدا للعلاج في المستقبل حيث يمكن تلافى هذا السبب وبالتالي حدوث الشفاء.
وقبل تناول الدراسة يجب توضيح أن مصطلح المرض العقلي psychosis كمصطلح طبي لا يقصد به الجنون أو التخلف العقلي، لكن يقصد به أعراض نفسية معينة تكون في الأغلب من خلال تخيل أشياء غير حقيقية (مثل رؤية أشياء أو سماع أصوات أو الإحساس بأحاسيس غير موجودة مثل الإحساس بالمياه أو البرودة القارسة في الصيف، وأيضا يمكن أن تكون هذه الأعراض على شكل اعتقادات خاطئة مثل اعتقاد المريض بأنه ملك معين أو كائن آخر سواء كان حيوانا أو نباتا أو حتى في بعض الأحيان جمادا). وهذه الأعراض توجد في أمراض مثل الفصام أو الاكتئاب بأنواعه مثل (الاكتئاب الثنائي القطب وهو الاكتئاب الذي تنتاب المريض فيه نوبات من الحزن الشديد مصحوبة بفترات من السعادة الغامرة، وأيضا هناك الاكتئاب الذي يمكن أن يصيب السيدات بعد الولادة postpartum depression) كما أن هذه الأعراض يمكن أن تحدث في بعض الأمراض النفسية الأخرى مثل الضلالات، وفي بعض الأحيان يمكن حدوثها نتيجة لإدمان مواد مخدرة.

* فرضية المرض المناعي
الأمر الذي عزز من التفكير في فرضية المرض المناعى أن الباحثين وجدوا أجساما مضادة لمستقبلات مادة الدوبامين (وهو هرمون مكون من بروتين يلعب دورا هاما في الجهاز العصبي كموصل عصبي Neurotransmitter) بين 8 من أصل 43 طفلا كانوا قد تعرضوا لأزمتهم النفسية الأولى. ولم يعثر على هذه الأجسام المضادة في الأطفال الأصحاء، وهو الأمر الذي اعتبره الباحثون مؤشرا قويا على وجود عامل مناعى في (بعض) الفئات من الأطفال تكون مهيأة أكثر من غيرها للإصابة بالأمراض النفسية. وعند وقت معين يحدث التفاعل المناعي الذي يؤدى إلى الإصابة بالمرض.
من المعروف أن الأجسام المضادة تعتبر من أهم خطوط الدفاع عن الجسم وهي التي تقاوم عمل الميكروبات والفيروسات وتدمر خلاياها وبالتالي تحمى الجسم من التأثير الضار لهذه الخلايا. وفي التفاعل المناعي يحدث خلل في جهاز المناعة يجعله يتعامل مع خلايا معينة في الجسم على أنها خلايا ضارة ويقوم بتدميرها ووقف وظيفتها. وتبعا لطبيعة عمل هذه الخلايا يحدث المرض.
الجديد في هذه الدراسة أنها توصلت إلى أن هذا التفاعل يمكن أن يحدث حتى في الأمراض العصبية والنفسية. وعند حدوثه يحدث خلل في وظائف هذه الخلايا العصبية يمكن أن يولد هذه الأعراض الغريبة. وبطبيعة الحال فإن التوصل إلى هذا الاكتشاف يمكن أن يحدث طفرة في العلاج من خلال السيطرة على هذه التفاعلات المناعية عن طريق الأدوية التي تثبط عمل الجهاز المناعى إذ إنه يكون في حالة من النشاط الزائد وهناك الكثير من الأدوية التي يمكن أن تثبط الجهاز المناعي، ومن أشهر تلك الأدوية عقار الكورتيزون، ويمكن أن تكون هذه الأدوية إضافة إلى العلاج النفسي بطبيعة الحال، إذ إن الأمر يحتاج إلى مزيد من الدراسات لتأكيد هذه النظرية خاصة وأن تثبيط المناعة يمكن أن ينعكس بالسلب على الطفل المريض في حالة عدم وجود أجسام مضادة.

* الأجسام المضادة
تكمن خطورة الأجسام المضادة لمستقبلات الدوبامين dopamine receptors أنها تعطل عمل الدوبامين الذي يعمل بمثابة مترجم للإشارات العصبية الصادرة من المخ إلى أعضاء الجسم المختلفة، وهي بطبيعة الحال وظيفة بالغة الخطورة، ومن خلال التحكم فيها يمكن أن يحدث خلل في الجهاز العصبي.
والدوبامين له مستقبلات خاصة تنقسم إلى عدة أنواع في الخلايا المختلفة يقوم بعمله من خلالها ولا يمكنه العمل إلا من خلال هذه المستقبلات، ووجود أجسام مضادة لهذه المستقبلات يؤدي إلى تدميرها وبالتالي منع الدوبامين من ممارسة وظيفته.
وهناك أهمية أخرى لهذه الدراسة وهي أنها أظهرت أن العامل البيولوجي أو العضوي يمكن أن يلعب دورا كبيرا في الإصابة بالأمراض النفسية المختلفة، ومن المؤكد أن الأمر يحتاج إلى المزيد من الدراسات والتجارب قبل بدء العلاج، لكن في حالة إثبات هذه الفرضية مستقبلا سوف تساهم بشكل كبير في علاج الكثير من الأمراض النفسية بشكل نهائي خصوصا أنه من المعروف أن بعض الأمراض النفسية والعقلية لا يوجد شفاء منها ويجب على المريض تناول الأدوية لها لفترات طويلة من حياته.
* استشاري طب الأطفال



باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».