حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

«وجعتلنا راسنا»!

من الظواهر التي أعتقد جازما أنها من أسباب تخلف العالم العربي وجود حالة خطيرة من الأمية المقيتة، وانتشار البطالة الخطيرة، وتوسع ظاهرة العنصرية القاتلة، وتوغل هائل في التطرف الديني، واتساع ظاهرة المحسوبية في الأوساط المختلفة داخل المجتمع، وأخيرا يضاف إلى كل ما سبق ذكره ظاهرة حسن نصر الله. وهو حتما ظاهرة تحولت مع الوقت إلى أحجية ثم أضحوكة.
إبان ما كان شكل الدولة في لبنان مختلا بسبب وجود حالة من الفوضى الناتجة عن سنوات طويلة جدا من الحرب الأهلية الدموية المدمرة، كان من المتوقع ظهور حالة وظاهرة كحسن نصر الله، ولكن ما إن عادت الدولة بمؤسساتها من رئيس ورئيس للوزراء ورئيس للبرلمان وقضاء وجيش لم يعد من الممكن قبول «فريق مسلح» يوجه سلاحه ذات اليمين وذات الشمال خارج المنظومة التي جردت الميليشيات المتناحرة في لبنان من سلاحهم، والوحيد الذي تم استثناؤه كان حزب الله، ولكن الحزب تحول إلى ابتزاز وإرهاب شركائه في الوطن تحت تهديد السلاح وتحت شعار «المقاومة» العاطفي، ولكنه واقعيا كان بندقية للإيجار و«مجموعة من الزعران» المرتزقة المجندين للدفاع عن بشار الأسد في دمشق والولي الفقيه في طهران.
وقد نجح النظامان في دمشق وطهران في توظيف حسن نصر الله إلى أقصى درجة سواء كبوق إعلامي «يطبل» لشعارات الممانعة والمقاومة ويؤجج نيران الفتن مع دول المنطقة وشعوبها، أو كبندقية للإيجار لترويع الشركاء في الوطن أو لقمع الشعوب بمساعدة الأنظمة الفاشية الطاغية الطائفية، وبالإضافة طبعا إلى تصدير فكرة حزب الله كخلية إرهابية تكفيرية إلى دول أخرى لممارسة الإرهاب بأشكال مختلفة كما تم الإعلان عن ذلك واكتشاف الخلايا الواحدة تلو الأخرى في أكثر من بلد.
لن أسأل السؤال البديهي المطلوب سؤاله وهو: مَن هو حسن نصر الله؟ ولكن السؤال هو: ما هو حسن نصر الله؟ من هو حتى يظهر وينتقد ويفند حالات ودولا؟ من الذي أعطاه هذه المساحة والهالة؟ حتما ليست الدولة، فهو «خارج الدولة» ويعصي أوامرها! ولكنه النظام الذي تكون خارج النظام وسمح باستمراره. خرب النظام التعليمي في العالم العربي لأن الاعتماد تحول بالتدريج من المنهج الرسمي إلى المنهج الموازي التابع للدروس الخصوصية خارج الدوام الرسمي، أو عندما هزل وضعف النظام القضائي في العالم العربي، فاضطر كثيرون إلى «تخليص» حقوقهم بالذراع أو المال أو الجاه «خارج» المنظومة الرسمية، وأيضا في التجارة عندما طغت البضاعة المقلدة والمهربة والمغشوشة في الأسواق دون رقيب ولا حسيب ولا رادع، وكذلك في حال ضعف الدولة ككيان له هيبة ومكانة تظهر البكتريا السياسية كالطحالب على المشهد فتهدد علاقات الدول بدول أخرى وتغامر بأمنها وسويتها، وتؤجج خيوط التماس الطائفية الهشة جدا في الأساس، وهذا ما يبدو أنه يحصل مع حسن نصر الله، الذي أصبح ظاهرة صوتية مزعجة وضوضاء سياسية تلوث الجو وتسممه.
ولعل الخطاب الأخير الذي جاء بعد سويعات قليلة جدا من انطلاق «عاصفة الحزم» في اليمن دليل دامغ على هذا القول. ظهر زعيم ميليشيا تنظيم حزب الله الإرهابي التكفيري مضطربا وخائفا وقلقا ومرتبكا كما لم يظهر من قبل، ظهر عليه «التعصيب» وتكرار الاتهامات والكلمات الجارحة بحق السعودية والتي خصص لها الخطاب كاملا، ولكنه من حيث لا يدري ثبت على نفسه كل ما كان يحاول أن ينفيه، فلقد جعل كل من كان «يشكك» في دور حسن نصر الله وولائه لإيران ودوره المريب جعله يتأكد من كل ذلك.
حسن نصر الله أداة قمعية وبوق إعلامي رخيص لصالح أنظمة طائفية طاغية. فقط ونقطة في آخر السطر. كونه يعتقد أنه يتبع خامنئي مرشد ثورة إيران ويعتبره ولي أمر المسلمين (وهي مسألة غير محسومة وغير متفق عليها داخل الطائفة الشيعية نفسها بالمناسبة) فهذا شأنه، ولكن كيف من الممكن أن يتم التعامل مع هذه الشخصية «الطائفية» في بلد فيه (حتى آخر عدد) 18 طائفة رسمية؟ ناهيك بكيف سيتم التعامل مع حزب يشكل حكومة في بلد محيطه العربي نفسه أكبر وأشمل وأهم من هذا الفكر المحدود والضيّق.
حسن نصر الله.. «حاج وجعتلنا راسنا»!