ينجح ملصق معرض «فتّش عن الخطأ» في تحقيق الصدمة التي يسعى إليها لدى الجمهور. إنها لعروسين يحتفلان بزفافهما في سيارة محطمة، لكنها مزينة بالشرائط والأزهار، في حين تبدو دبابات قادمة من الأفق البعيد. وقد كان مقررًا لهذا المعرض أن ينتهي أواسط الشهر المقبل، لكن الإقبال عليه حدا بالمنظمين إلى تمديده حتى الصيف. ولا شك أن معهد ثقافة الإسلام في باريس، الذي يقع في قلب حي «لاغوت دور» المزدحم بالمهاجرين العرب والأفارقة، يخوض عبر هذا المعرض تحديًا جديدًا يتمثل في الاحتفاء بالفن والجمال والمرأة في مواجهة ثقافة التطرف والدمار والموت.
أشرفت على تنظيم المعرض مشكاة كريفة، الناشطة التونسية المعروفة في مجال الفنون البصرية والسينما والمقيمة في باريس، حيث اختارت تقديم 6 فنانات من العالم العربي وإيران، تعكس أعمالهن، محنة النساء في أزمنة الحروب. وتقول كريفة، إن أصواتهن غير مسموعة بشكل كافٍ ولديهن الكثير مما يرغبن بقوله». فقد اعتاد الغرب على النظر للمرأة الشرقية نظرة «إكزوتيكية» تحصرها في إطار الحريم والمتعة والخدر، في حين أن زائر المعرض يواجه صورًا مختلفة، قاسية ومؤثرة، تحاكم النظرة الشائعة السابقة للشرق وتكشف معاناة النساء في بلدان ذهب رجالها للقتال.
والحرب، بكل أشكالها المضمرة أو المعلنة، باتت من الواقع اليومي لبلدان الشرق الأوسط، كما جاء في دليل المعرض. وما بدا، في بدايات الربيع العربي وعدًا بغد جميل تحول إلى كوابيس في عدد من البلاد. وأمام انفلات الفظاعة والخراب يناضل رجال ونساء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة طبيعية في يومياتهم. إن الاستمرار في ممارسة ما هو عادي هو شكل من أشكال المقاومة في مواجهة التدمير.
من المشاركات في العرض المصورة والمخرجة الفلسطينية رائدة شحادة، المولودة في بيت لحم والتي تلقت دراستها الفنية ما بين القدس، حيث تقيم، ونيويورك. ومنذ 20 عامًا وهي تركز في أعمالها التي طافت العالم على قضية الحفاظ على الهوية، وبالأخص محنة النساء الفلسطينيات تحت الاحتلال الإسرائيلي. وقد اختيرت بعض صور رائدة شحادة لتنضم إلى مقتنيات متحف «فيكتوريا وألبرت» في لندن، كما شاركت في معارض وملتقيات مهمة في فرنسا وأستراليا وكوريا الجنوبية وحازت على عدة جوائز. وهي تستلهم التراث الفني العالمي وقصص الحوريات لتنجز صورًا تزج فيها بالجسد الأُنثوي في معمعة السياسة. ومنها صورة لها بعنوان «من سيجعلني حقيقية؟»، تبدو فيها ممددة على جانبها مثل المحظيات في لوحات القرن السابع عشر، مع الفارق أنها مغطاة بقصاصات الصحف ذات العناوين التي تنقل أخبار الحرب على غزة وصور الضحايا. ومن مجموعة صور بعنوان «حكايات الجنيات»، واحدة تمثل امرأة جالسة فوق ركام منزلها في بلدة بيت حنينا قرب القدس، بجوار كبابة كبيرة من خيوط الصوف، تحيك ثوبًا في انتظار الزوج الذي ذهب للقتال وعيناها سارحتان في الأفق الغامض. إنها استعادة لملحمة «بنيلوب وعوليس» الإغريقية، ولكن بنسخة فلسطينية.
في المعرض أيضا أعمال لجوهر دشتي، الفنانة الإيرانية المولودة في الأهواز عام 1980 والتي تحمل «الماستر» في التصوير من جامعة طهران. وهي تعيش اليوم متنقلة ما بين هناك وبرلين، حيث تركز في أعمالها على الماضي المضطرب لبلدها. وفي مجموعة صور بعنوان «حياة اليوم والحرب»، تعرض الفنانة تأثير الحرب على ذاكرة الشباب الإيراني. وبعد الكثير من المشاركات في معارض عالمية، دخلت أعمال جوهر دشتي متاحف هيوستن وكنساس سيتي للفن الحديث في الولايات المتحدة. وهي صاحبة الصورة المؤثرة للعروسين في السيارة المحطمة، وكذلك مجموعة صور للزوجين الشابين اللذين يحاولان العيش بشكل طبيعي رغم الخلفية القتالية والتهديد الذي ينغص الحياة. إن صورها هي نتاج سنوات الحرب الطويلة مع العراق والتي انطبعت في ذاكرة طفولتها وجيلها كله.
وفي المعرض نتعرف إلى فنانات أُخريات منهن زليخة بوعبد الله، المغربية المولودة في موسكو والتي عاشت سنوات في الجزائر وباريس وتقيم اليوم وتعمل في الدار البيضاء، والأردنية تانيا حبجوقة، والمصرية المقيمة في الولايات المتحدة نرمين همام، والإيرانية شادي غديريان.
معرض يحتفل بالمرأة وهي تواجه الحرب والخراب
«فتّش عن الخطأ» في معهد ثقافة الإسلام بباريس
معرض يحتفل بالمرأة وهي تواجه الحرب والخراب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة