جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

من هو «المعاق».. نحن أم هم؟

أجزم بأن موضوع الإعاقة الجسدية هو من المواضيع الأقل التي تتداولها وسائل الإعلام والصحافة في عالمنا العربي، وكأن هؤلاء الأشخاص الذين يسمون المعوقين، ولو أنني لا أتفق مع التسمية، هم نكرة ولا يجوز بأن يشاطرونا الحياة وما فيها، بما في ذلك السفر والسهر والجلسات في المطاعم.. لماذا؟ لأنه في عالمنا العربي وللأسف في الغالبية الساحقة منه، لا يتنبه المسؤولون ولا حتى أصحاب المطاعم والمؤسسات التجارية لتأمين مدخل يتنساسب مع الكراسي المتحركة.
هذه الفكرة راودتني منذ فترة طويلة، وبالتحديد عندما كنت موجودة في إحدى السفارات العربية والتقيت بشخص مقعد، عرفت بعدها بأنه كاتب، ولما عرف من أكون، قال لي: أتابع كتاباتك عن السياحة والسفر، ولكني عاتب عليك؟ فأجبت: «خير»، فقال لم أجد مقالا واحدا عن السياحة الخاصة بما تسمونهم المعوقين أو المعاقين (والتسمية الثانية أكثر بشاعة من الاولى)، وبالفعل لم ننشر موضوعا واحدا عن الأماكن والخدمات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، وهذا تقصير منا وقد يكون السبب هو أن هذه الفئة من الناس لا تعيش بيننا مثلما يجب، كما هو الحال في أوروبا.
في لندن، قامت الدنيا ولم تقعد عندما دخلت سيدة قصيرة القامة (قزمة) إلى مكتب البريد لإرسال طرد، ولكنها لم تتمكن من وضع بطاقة الائتمان في الماكينة المخصصة، لأنها كانت بمستوى طول شخص عادي، فسجلت شكوى ضد مصلحة البريد، وأصبحت نجمة على شاشات التلفزيون وصفحات الصحف، وبالنهاية كانت هي الرابحة، حيث تم استبدال الماكينات الثابتة بأخرى متحركة عبر سلك مطاطي في معظم المحلات التجارية، وفي جميع مكاتب البريد.
المشكلة هي أننا في بلداننا العربية نعتقد بأن الاعاقة الجسدية هي عائق يحول دون قيام الشخص بشتى النشاطات، إلا أنه في الواقع فهذا الشخص يتمكن من أن يتأقلم في وضعه الجديد في حال أن الإعاقة حصلت لاحقا في حياته، ونرى عددا كبيرا من المقعدين والصم والبكم.. يسافرون يختبرون أفخم المطاعم، ويتمتعون بحياتهم بشكل طبيعي من دون سماع كلمات في مضمونها الشفقة من الذين يعرفون بأنهم أصحاء بدنيا، ويجهلون أنهم مرضى عقليا.
وأصبحت فكرة الكتابة عن هذا الموضوع حتمية، بعدما استضافني الطاهي الفرنسي الشهير ريمون بلان لأكون ضيفة شرف للاحتفال بمرور 30 عاما على مطعمه صاحب نجمتي ميشلان، وأثناء الحفل فاجأ الشيف بلان الحضور بتكريم الشيف مايكل كاين وهو واحد من الطهاة الذين رافقوه في مسيرته، وأصبح اليوم من أهم الطهاة في بريطانيا، ويحمل في جعبته نجمتي ميشلان، واليوم يستعد لافتتاح مطعمه وفندقه من فئة بوتيك الخاص به، واللافت هو أن الشيف الذي تكلم عنه الطاهي بلان بكل شغف ومحبة، يملك كل هذه الشهرة والبراعة في الطبخ، ولكنه لا يملك إلا ذراعا واحدة بعدما فقد ذراعه اليمنى في حادث سير مروع، كاد يودي بحياته، وإذا هذا لا يكفي فالذراع مبتورة من أعلى كتفه، ولكن وعلى الرغم من هذه المأساة، استطاع الشيف كاين أن يتخطى الأزمة ولو أنه اعتقد في البدابة بأن مهنته الذي يعشقها انتهت، الا أن الطاهي ريمون بلان وقف بجانبه ولم يتخل عنه، ولم تقف هذه الحادثة في طريق نجاحه، إذ أنه حصل على النجمتين بعد الحادثة وليس قبلها.
وكم شعرت بالأسى عندما همست في خاطري صورة الأشخاص الذين تعرضوا لحوادث إن كان مرورية أو بسبب الحرب، وأصبحوا فعلا معاقين ومهمشين، وكأنهم لا ينتمون الى مجتمعنا. وكم أثبت لي الشيف كاين بأننا نحن «المعاقون» وليسوا هم.