نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

مقالة زوبع.. كي لا تكون زوبعة

نشر السيد حمزة زوبع، مقالة جريئة أثارت ردود فعل قوية عند خصوم «الإخوان»، وأثارت زوبعة بين أعضائهم ومناصريهم.
ذكرتني مقالة زوبع، الجريئة والجديدة، بمقالة كتبها عندنا أحد شباب حماس ممن كانوا يرتقون بسرعة سلم القيادة، كانت مقالة جريئة ومفاجئة وخارجة عن نمط أدبيات الحركة الإسلامية، لا أرغب في الإفصاح عن اسمه، فكثيرون يعرفونه، فضلا عن أنه يعرف نفسه جيدا.
بعد مقالته، جرت مكالمة طويلة بيننا، شجعته على المضي قدما في هذا الاتجاه، ويبدو أنه حاول إلا أنه توقف أو أوقف، وهذا ما أخشاه على مقدمات ما فعل زوبع، فقد يتوقف أو يوقف، وفي كلتا الحالتين تكون المقالة مجرد استثناء عابر لقاعدة راسخة مستقرة.
مقالة زوبع التي خاف منها متشددوا «الحرية والعدالة» في مصر وخارج مصر، قد تكون فتحت الباب لنقاش أكثر هدوءا حول واقع «الإخوان» الراهن وإلى أين يتجه ومن ضمن ما يمكن أن يطرح بالضبط هو «تمصير الإخوان» والتفكير بواقعية نحو إيجاد صيغة لتعديل العلاقة بين ما يوصف بالتنظيم الدولي لـ«الإخوان» المنتشر في العالم كله، وبين قاعدتهم الأم في مصر، والتعديل هنا لا يعني إلغاء العلاقة لأن ذلك من الأمور غير الواقعية، بل والمستحيلة، وإنما ترشيدها ومحاولة شق طريق جديد لها يكون المصري فيها مصريا أولا، ويكون غير المصري مجرد مؤازر أو متضامن أو متعاطف، ولو أن «إخوان مصر» يقرأون السقطات التي وقعوا بها على مدى مسيرتهم الطويلة، لأدركوا بل ولعاقبوا المرشد العام السابق محمد مهدي عاكف على جملته البائسة «طز في مصر»، إذ لا مصداقية لحزب يسعى لقيادة بلد اختصر رؤيته لها بتلك الكلمة السوقية المتدنية.
وإذا كان هنالك ما يشد «الإخوان» بعضهم لبعض في العالم الواسع، فهنالك ما هو أقوى من ذلك، ألا وهو اختلاف الحيثيات من بلد إلى آخر، ومن «إخوان» إلى «إخوان» آخرين، ولعل الاختلاف في البيئة بين مصر وغزة، يقيم دليلا قد يكون مقنعا على موضوعية ما أقول، وقد يكون حافزا على تعديل العلاقة بين المركز والامتداد والفروع.
أمر آخر.. إن إدارة حركة كبرى تضم أعدادا وفاعليات مؤثرة في مجتمعاتها وفق الصلاحيات الممنوحة للمرشد، وهي تقترب من صلاحيات ولاية الفقيه عند أشقائنا الشيعة، تؤثر سلبيا على إدارة البلد ويقوض فاعلية المؤسسات التي يجب أن تنبثق عن كل الشعب وأن تعمل لمصلحة كل الشعب، وإن تطور النظم السياسية في العالم وانسجاما مع حركة التاريخ ومعطيات الواقع يجعل من سلطة فرد فوق سلطة الرئيس أو المؤسسات، بمثابة الوصفة السحرية الفعالة لتكريس واقع استبدادي أخطر من الواقع الذي سبق، والذي قامت ثورة شعبية من أجل تغييره، سوى أن الاستبداد الجديد سيكون مفرزا بتفسيرات دينية أحادية الجانب لا يتفق معها معظم مكونات المجتمع التي تتحد في اعتناق الدين وتختلف في الاجتهاد وعلى علاقته بالسياسة والحكم.
إن في مقالة زوبع ما يستحق التأمل والتشجيع، بما في ذلك التوقف مليا أمام «أخطأنا فهل أنتم معصومون ولم تخطئوا؟»، إن الجديد في هذه الجملة هو الاعتراف بالخطأ مع أن ذلك لم يكن معمولا به في أدبيات «الإخوان»، وخصوصا في مرحلة العلانية والثورة والحكم، ولكن هنالك خللا في المنهج، فكلما تخطئون نخطئ، فتعالوا إلى نقطة لقاء بين المخطئين.
إن الاعتراف بالخطأ فضيلة، إلا أن الثمن الذي دفع لقاء هذا الخطأ لا يعوض بالاعتذار الذي لا قيمة له أمام الدم الذي سال غزيرا بين أجساد المصريين، وأمام الوقوف على حافة الانهيار الاقتصادي والمجتمعي، وحتى الوقوف على تخوم الغرق في دوامة الدولة الفاشلة، التي تتحول إلى عالة على دول العالم حتى المتخلفة منها، وليست مصر من الدول التي يمكن أن تنجر إلى هذا الوضع البائس، غير أن مصطلح الاعتراف بالخطأ فضيلة يحتاج إلى إكمال من دونه يصبح مجرد كلمة تضليلية مدمرة.. الإكمال المنشود وهو مواصلة الاعتراف بالأخطاء الكثيرة وإقناع جمهور الناخبين بأن برنامجا مقنعا قد وضع لتغيير ما كان لمصلحة ما يرغب المجتمع في أن يكون مع أداء مقنع لمهام هذا البرنامج العتيد والذي لم تكتب كلمة منه بعد.
أشياء كثيرة بحاجة للجدل أو البحث والمصارحة والنقد الذاتي عند «الإخوان» وغيرهم، إلا أن اعتبار ما كان مجرد خطأ يمحى بالاعتذار عنه، فهذا ما يجعل مقالة زوبع مجرد زوبعة في فنجان أو حتى لو اتسعت لتشمل مصر كلها فستظل زوبعة تثير غبارا ولا تحقق شيئا.