في عام 1943 قام المخرج البريطاني، ذو الأصل المجري، سلطان كوردا بتحقيق فيلم حربي النزعة بعنوان «صحراء» تم تصويره في صحراء يوما، ولاية أريزونا، على أساس أنها الصحراء الليبية. لم يضطر همفري بوغارت، الذي قاد البطولة للسفر أكثر من ساعتين من لوس أنجليس إلى يوما ولعب دور العريف جو الذي يحاول قيادة أفراد فرقته الصغيرة إلى السلامة وسط مخاطر السقوط وسط الجحافل الألمانية المحيطة بهم. هناك شخصية سوداني (لعبه الأميركي الأبيض ركس إنغرام) يصبح محور الاهتمام إيجابيا عندما يصبح أمل الفرقة في العثور على الماء في تلك الصحراء. وأول ممثل عربي لعب أفلاما في هوليوود، وهو فرانك لاكتين (اسمه الحقيقي محمد لقطين وهو من مواليد قرية قب إلياس اللبنانية) له دور محدود هو دور الشيخ علي.
الفيلم بأسره كان كلاسيكيا. من النوع الذي يتّبع أساليب عمل لم تعد سائدة اليوم كما لو كانت زيّا اشتهر في حينها ثم لم يعد صالحا لزمن آخر. لكن ليبيا ما زالت حاضرة والحروب التي تشهدها أراضيها كذلك. وحاليا هناك منافسة على العودة إلى واحدة من الصحارى الآمنة في الولايات المتحدة، لتصوير أفلام عن الحرب الدائرة هناك.
أحد هذه المشاريع المكتوبة عنوانه «صحارى الموت» الذي وصل ليدي المخرج مايكل مان ولم يبد بعد رأيه فيه بعد. إنه فيلم مباشر عن الحروب بين الفئات المتصارعة اليوم يتعرّض في الوقت نفسه لمحنة طبيب بريطاني وجد نفسه في وسط حصاد القتل.
لكن هناك مشروعان آخران يبدوان آليين إلى التنفيذ قبل هذا العمل أولهما اقتباس عن كتاب ميتشل زوكوف المنشور قبل أكثر من عام بعنوان «13 ساعة: الرصد الداخلي لما حدث حقيقة في بنغازي». والمقصود هو المحنة التي تعرضت إليها فرقة من 6 رجال أميركيين (بينهم جنود سابقون وعميل سي آي أيه) حوصروا في السفارة الأميركية في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2012 من قبِل مسلحين ليبيين. الكتاب، لمن يقرر قراءته، حافل بالنقد للإدارة الأميركية التي لم تحسن التعامل مع الوضع وتأخرت في إنقاذ أرواح الأميركيين.
المخرج مايكل باي (الذي أنجز سابقا فيلمه الحربي الوحيد «بيرل هاربور» قبل أن يعمل على تحقيق سلسلة «ترانسفورمرز» التي هي بدورها نوع من الحرب وإن كانت بين الآدميين والمخلوقات الميكانيكية) انبرى واشترى حقوق تحويل الكتاب إلى فيلم وباعه مباشرة إلى شركة باراماونت التي انشغلت طوال الأشهر القليلة الأخيرة على تحضيره.
المشروع الثاني من إنتاج دانا برونتي، التي نرى لها الآن «50 درجة من غراي». هذه اتصلت بأحد الناجين من هؤلاء الرجال، واسمه تايرون وودز، وابتاعت مذكراته غير المنشورة. كذلك اشترت حقوق تحويل حياة رفيقه الآخر غلن دوهرتي، الوحيد من المجموعة الذي لقي حتفه في القتال. السيناريو يُكتب الآن.
سبب حاسم
هناك هجوم سينمائي واسع على الأحداث الواقعة في بلدان من الشرق الأوسط وفي حين تدور هذه الأفلام الثلاثة حول ليبيا، هناك آخر حول الحرب الدائرة في سوريا وآخر يرصد ما يمكن الخروج به من جديد في الحرب الدائرة في العراق بين المقاومين الأكراد و«داعش». وإذا ما وافقنا على اعتبار أن أفغانستان هي جزء من الشرق الأوسط كما يعتبرها البعض (ولو أنها جغرافيا ليست كذلك) وأضفنا ما تم إنتاجه من أعمال وما سيتم إنتاجه مستقبلا، فإن شاشات هذا العام والعام التالي ستعرض الكثير من أزمات المنطقة ومعاركها على الملأ في كل مكان.
يأتي نجاح فيلم كلينت إيستوود المدوّي «قناص أميركي» دافعا لذلك.
حكاية القناص كريس كايل الذي قتل من العراقيين منفردا ما لم يقم به أي جندي أميركي آخر في أي حرب خاضتها أميركا من قبل أو في العراق، جلبت، وعلى نحو غير متوقع 308 ملايين دولار من السوق الأميركية وحدها. أضف إلى هذا الرقم 86 مليون دولار أنجزها الفيلم حول العالم، حتى الآن، والرقم سيرتفع إلى قرابة 400 مليون دولار.
إنه من البديهي القول إنه منذ اندلاع حرب العراق الأولى قبل أكثر من 10 سنوات وهوليوود اهتمت بها. لكن ذلك الاهتمام لم يفرز نجاحا كالنجاح الحالي. «خزنة الألم» لكاثلين بيغيلو (2009) على شهرته وأوسكاره لم ينجز في أميركا أكثر من 50 مليون دولار. والأفلام الأخرى، من «جارهيد» (2005) وقبله «3 ملوك» (1999) إلى «هوم لاند» (2011) و«فعل شجاعة» (2012) مرورا بعشرات الأفلام التي تطرّقت إلى تلك الحرب مثل «منطقة خضراء» (2010) و«لعبة عادلة» (2010) وفيلم الرعب «خلّصنا من الشر» (2014).
لكن الاهتمام الكبير بـ«قناص أميركي» مبرر من حيث أنه لم يكتف بعرض حكايات حول جنود أميركيين في القتال أو آخرين عادوا من تلك الحرب، بل، وفيما يتحدث عن القتال كما عن العودة، هو مأخوذ عن مذكّرات المحارب الأميركي المذكور التي وجدت جمهورا عريضا من القراء عندما نشرت ككتاب.
وجزء من الإقبال على كتاب ميتشل زوكوف أو على مذكرات بعض الناجحين من الدوامة الليبية يعود إلى قناعة هوليوود الحالية من أن المذكرات المنشورة أو الأقوال المأخوذة، على الأقل، من محاربين أميركيين فعليين، قد تكون الإجابة الصحيحة على ما كان ينقص الأفلام الأولى لتحقيق نجاحاتها. وفي ذلك لدى هوليوود الآن «قناص أميركي» لكي يبرهن على ذلك.
مشترو التذاكر
العامل الآخر في أسباب هذا الاهتمام يعود إلى أنه في السابق، أيام فيلم سلطان كوردي المذكور، كانت الحرب العالمية الثانية موردا كبيرا للقصص. وسواء أكان القتال في أوروبا أو في الشرق الأوسط (ليبيا أكثر من مرّة) أو في المحيط الأطلسي (بين الأميركيين واليابانيين) فإن الجمهور الأميركي كان ينتظر تلك الأفلام بشغف المؤيد للجهود الحربية الأميركية ومن موقف وطني صارم.
إلى أن حطّت الحرب الفيتنامية وأخذت هوليوود تطرح أفلامها عنها («سفر الرؤيا.. الآن»: «العودة إلى الوطن»: «همبرغر هِل» الخ..) كان الجمهور قد انقسم بشأن تلك الحرب وأفلامها. لذلك وجدنا هوليوود، التي كانت تعيش وضعا أكثر ليبرالية، تنجز أفلاما ضد الحرب أكثر مما أنتجت أفلاما معها.
لكن الأمر مختلف بالنسبة للحربين الأفغانية والعراقية. ليس أن الانقسام غير موجود، بل هناك ذلك الأثر الواضح لتلك الحرب على الداخل الأميركي. على الأسرة والفرد على حد سواء. على أن الأفلام المناوئة للحرب لا تحقق النجاح التجاري ذاته الذي تحققه الأفلام الحربية التي تتضمن تأييدا للحرب أو تأييدا للجنود الأميركيين. الجمهور الأميركي، شأنه في ذلك شأن كل جمهور آخر، يطلب أولا الفيلم الذي يُظهر له بطولات رائدة. تضحيات كبيرة. انعكاسات للسياسة الأميركية الخارجية. يريد أفلاما توافق على أن أميركا تسعى لإحلال الديمقراطية حول العالم وأن حروبها مشروعة في هذا السبيل.
«قناص أميركي»، الذي أثار حفيظة أكثر النقاد العرب حتى الآن، يؤمن بذلك كشأن كل ما اشترك فيه كلينت إيستوود أو أخرجه من أفلام حربية سابقة باستثناء أفضلها وهو «رسائل من آيوا جيما» الذي تحدّث فيه عن معاناة الجيش الياباني الذي قيّض له الدفاع عن الجزيرة الجبلية ضد جحافل القوات البحرية الأميركية. إنه فيلم لا يمكن الاستهانة بقوّته، وهو معني بتصوير شخصيته كبطولة، لكنها بطولة يعترف بأنها وُلدت في مجتمع أميركي عنيف وماتت فيه.
هذا ما يدفع كثيرين للتساؤل حول لماذا لا تقوم هوليوود بتحقيق أفلام عن معاناة العراقيين مثلا عوض تلك التي تصوّر معاناة الأميركيين في رحى المعارك أو بعد عودتهم إلى بلادهم. السبب بسيط وواضح: الجمهور الأميركي معني أكثر بأحوال جنوده ما يعني أن مشتري التذاكر الكثر هم من هذا الفريق. ما عدا ذلك، فإنه من غير المنظور أن يجرؤ منتج على تمويل فيلم يتحدّث عن معاناة الشعب الآخر لأن أحدا لن يرغب في مشاهدته. الأمثلة القليلة الحاضرة (مثل «ارتداد» لبرايان دي بالما و«أسود كمحلان» لروبرت ردفورد) هي خير دليل على ذلك. والغالب أن الأفلام التي ستنتقل للحديث حول ليبيا لن تختلف عن المنهج السائد بدورها.
* أميركي في سوريا
* فيلم آخر انطلق للتصوير من نتاج الأحداث الحاضرة في الشرق الأوسط هو «تغطية دمشق» Damascus Cover حول جاسوس غربي دخل دمشق مع مطلع الحرب الدائرة حولها ويتم تصويره حاليا في المغرب. والمغرب هو أيضا أحد مواقع تصوير Spectre: آخر أعمال جيمس بوند الذي قد يتطرّق إلى حروب الشرق الأوسط من دون أن يدور فيها.