بدأ مولاي ولد محمد لقظف، الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية في موريتانيا، منذ عدة أيام، اتصالات مباشرة مع عدد من رؤساء الأحزاب السياسية المعارضة، وذلك في إطار مساع تبذلها الحكومة لتنظيم «حوار وطني شامل»، ينهي 7 سنوات من القطيعة السياسية بين النظام الموريتاني والمعارضة الراديكالية.
وتجري هذه الاتصالات بين قيادات الحكومة الموريتانية والمعارضة في سرية تامة، وتوصف بأنها «لقاءات تمهيدية» من شأنها أن تساهم في إحداث تقارب في وجهات النظر بين الطرفين، وتحديد المحاور التي سيتناولها الحوار، خاصة في ظل إصرار الحكومة على تنظيم هذا الحوار خلال العام الحالي.
وتعاني المعارضة الموريتانية من انقسامات كبيرة، في ظل وجود قطبين داخلها، هما «المعاهدة من أجل التناوب السلمي على السلطة»، التي تضم 3 أحزاب سياسية سبق أن دخلت في حوار مع النظام عام 2011، وتوصف دوما بأنها «معارضة مهادنة» وتميل إلى عدم التصعيد، و«المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة»، الذي يضم 11 حزبا سياسيا وعدة نقابات عمالية، وهيئات من المجتمع المدني، بالإضافة إلى بعض الشخصيات السياسية المستقلة، ويمثل المنتدى «المعارضة الراديكالية»، وقد سبق أن قاطع المنخرطون فيه الحوار المنظم عام 2011، ونظموا مظاهرات شعبية عام 2012، طالبوا خلالها برحيل نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وجرت خلال السنوات الأخيرة عدة محاولات لإطلاق حوار سياسي بين النظام والمعارضة الراديكالية، ولكنها لم تتكلل بالنجاح، وتوقفت عند الجلسات التمهيدية بسبب ما يقول مراقبون إنها «أزمة ثقة حادة» بين النظام والمعارضة.
في غضون ذلك، اقترح الرئيس الدوري لكتلة «المعاهدة» مسعود ولد بلخير، في وثيقة أصدرها الشهر الماضي، أن يمر الحوار المرتقب بأربع مراحل، تبدأ بإعادة بناء الثقة بين النظام والمعارضة، وذلك من خلال لقاءات مباشرة بين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، وعدد من قيادات المعارضة، ومن أبرزهم الرئيس الدوري لـ«منتدى المعارضة» أحمد ولد داداه.
وقال ولد بلخير في وثيقته إنه لبناء الثقة بين الطرفين، لا بد أن «تلتزم المعارضة بعدم انتهاج أساليب غير سلمية للوصول إلى الحكم، مقابل تعهد ولد عبد العزيز بعدم المساس بعدد الولايتين الرئاسيتين المحددة في الدستور. ويتعهد رئيس الجمهورية بالامتناع عن الترشح لمأمورية ثالثة، وألا يحاول فرض من سيخلفه في الرئاسة».
من جهتها، أصدرت الحكومة والأغلبية الرئاسية وثيقة تتضمن رؤيتهما للحوار مع المعارضة، وقد أبدت الحكومة استعدادها التام لمناقشة جميع القضايا التي تثيرها المعارضة، بما في ذلك تنظيم انتخابات رئاسية عاجلة، وحل البرلمان والمجالس المحلية، بالإضافة إلى تعديل دستوري يرفع سن الترشح للانتخابات الرئاسية، كما أكدت الوثيقة، التي سلمت نسخة منها للمعارضة، أن هدف الحكومة هو «خلق مناخ سياسي هادئ». إلا أن منتدى المعارضة، الذي يملك موقفا أكثر تصلبا من الحوار، قال إنه لا بد من وجود ضمانات حقيقية قبل الدخول في حوار مع النظام، وأصدر وثيقة طالب فيها ببعض الإجراءات التي من شأنها أن تساهم في تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة، وفي مقدمتها وجود حكومة توافقية، ومؤسسات انتخابية ذات مصداقية، وحياد الإدارة، وضرورة تحضير مادي وتقني جيد.
ولكن المنتدى يواجه تحديات كبيرة قد تهدد تماسكه بسبب الموقف من الحوار، ففي الوقت الذي تدفع فيه بعض الأحزاب والشخصيات باتجاه الحوار مع النظام، مؤكدين أن الفرصة أضحت مواتية لانتزاع تنازلات كبيرة من طرف النظام، فإن أحزابا أخرى تستعيد التجارب السابقة التي لم يلتزم فيها النظام بما تم الاتفاق عليه، خاصة في تجربة اتفاق دكار عام 2009، حيث تتهم المعارضة النظام بالتنكر لكثير من بنود الاتفاق الذي تم برعاية دولية.
من جهة أخرى، برزت بعض الأطراف في المنتدى التي أكدت أن رفض الدخول في الحوار سيشكل ضربة قوية لن تتحملها المعارضة، وسيستفيد منها النظام بشكل كبير، وقدمت حلا وسطا يقضي بوضع شروط يلتزم بها النظام قبل الشروع في الحوار، تكون كفيلة بتطبيق جميع البنود التي سيتم الاتفاق عليها.
وبين هذا وذاك، يواجه منتدى المعارضة صعوبة في توحيد رأيه بشأن الحوار مع النظام، في ظل حديث البعض عن رفض حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض، الذي يرأسه أحمد ولد داداه، الدخول في الحوار، وسعيه لطرح «شروط تعجيزية»، من أبرزها إعلان ممتلكات رئيس الجمهورية أمام الرأي العام الوطني، بالإضافة إلى خفض أسعار المواد الغذائية والمحروقات.
وكانت أوساط داخل الحزب المعارض قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» في تصريح أمس، أن حزب التكتل «لن يدخل في أي حوار مع النظام حتى ولو بقي وحده»، وأكدت أن «النظام والحكومة والأغلبية الرئاسية غير جديرين بالثقة»، وفق تعبيرها.
وكان الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز قد أبدى في أكثر من مناسبة استعداده ورغبته في الحوار مع المعارضة، خاصة بعد الانتخابات الرئاسية التي نظمت العام الماضي، وقاطعتها أطياف واسعة من المعارضة، والتي فاز فيها بولاية رئاسية هي الثانية والأخيرة بحسب الدستور الموريتاني، لكن بعض الأوساط المعارضة تشكك في نيات النظام، وتشير إلى أن «رغبة ولد عبد العزيز في الحوار سببها سعيه لتعديل الدستور والحصول على ولاية رئاسية ثالثة، وهو ما لن يتم من دون إشراك المعارضة في اللعبة»، في حين أكدت أغلب أحزاب المعارضة رفضها التام لأي تغيير قد يطال الدستور.
وقد وصل ولد عبد العزيز، بعد أن كان جنرالا في الجيش، إلى الحكم في موريتانيا عام 2008 بانقلاب عسكري أطاح بحكم الرئيس المدني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، وهو الانقلاب الذي واجه معارضة قوية من قبل عدد كبير من الأحزاب، وأدخل البلاد في أزمة سياسية انتهت بتوقيع اتفاق في العاصمة السنغالية دكار عام 2009، تحت رعاية فرنسية وبوساطة سنغالية.
وأسفر اتفاق دكار عن انتخابات رئاسية فاز ولد عبد العزيز في شوطها الأول، ولكن الأزمة السياسية تجددت بعد أشهر من الانتخابات، حيث اتهمت المعارضة النظام الحاكم بأنه لم يطبق من اتفاق دكار إلا ما يتعلق بالانتخابات التي منحته الشرعية الدولية، في حين يتهم ولد عبد العزيز المعارضة بأنها هي أول من نقض اتفاق دكار بعدم اعترافها بنتائج الانتخابات، لتبدأ منذ ذلك الوقت «أزمة ثقة» بين الطرفين.
الحكومة الموريتانية تسعى إلى تنظيم حوار وطني لإنهاء القطيعة مع المعارضة
حديث عن انتخابات مبكرة.. ومخاوف من ولاية رئاسية ثالثة
الحكومة الموريتانية تسعى إلى تنظيم حوار وطني لإنهاء القطيعة مع المعارضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة