رفضت المحكمة المركزية في حيفا أمس إصدار أمر يمنع شبكة مكتبات «ستيماتسكي» من بيع العدد الخاص من مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، والذي صدر بعد العملية التي استهدفت هيئة تحرير المجلة، وبذلك أجازت للشبكة أن تواصل التوزيع عبر الإنترنت، رغم المعارضة الجماهيرية الواسعة لذلك، والتي يقف ضدها في إسرائيل أهم رجال الدين اليهود والمسيحيين والمسلمين والدروز.
وكان مركز ميزان لحقوق الإنسان، وعدد من الشخصيات العربية (فلسطينيي 48)، قد قدموا الطلب إلى المحكمة، مؤكدين أن المجلة الفرنسية تهتم بالاستفزاز بغرض الشهرة على حساب دوس مشاعر المسلمين. وبهذا تجعل حقها بالحرية اعتداء على حرية الآخرين. وردت إدارة شبكة «ستيماتسكي» بالقول إنها ليست شريكة في الاستفزاز وكل غرضها هو أن تقدم لمن يريد من قرائها وزبائنها الخدمة التي يطلبونها. وقال مندوبها: «في اللحظة التي توجه فيها إلينا الشيوخ وأعضاء الكنيست العرب أوقفنا بيع المجلة الفرنسية في مكتباتنا وحوانيتنا وسمحنا لها بواسطة الإنترنت فقط». وأضاف: «يتبين من الرسم الظاهر على غلاف المجلة أنه حتى النبي محمد يبكي احتجاجا على عملية القتل، ولا ينطوي الرسم على أي إهانة أو تحريض عنصري، وبالتأكيد ليس من طرفنا نحن في الشبكة. ومنذ فتح موقع الإنترنت، جرى بيع 550 نسخة خلال سبع دقائق. فالجمهور يريدها».
والمعروف أن وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، كان قد أعلن أن شبيبة حزبه سوف يشترون هذه الأعداد بكميات ويوزعونها مجانا على المواطنين، بدعوى دعمه لـ«حرية التعبير عن الرأي». ولا يستبعد أن يكون هو وراء شراء هذه الكمية.
واستنكر عدد من أعضاء البرلمان الإسرائيلي العرب والأحزاب العربية بيع المجلة في إسرائيل، إذ أدانت الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة بشدّة هذه الخطوة وقالت: «إنها خطوة وقحة ودنيئة لا تمت لحرية التعبير بأي صلة، وإنما تندرج ضمن حملة عنصرية تحريضية على الجماهير العربية، وهي تعبير عن إرهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) الذي يسعى حكّام إسرائيل إلى تأجيجه واستغلاله». وأضاف البيان: «نرفض بشكل قاطع الاستهزاء بمعتقدات الناس ومشاعرهم الدينية، ونحترم الأديان والأنبياء كافة، ونرفض الإساءة لهم ونربأ عن زجّهم في الملعب السياسي بأي شكل من الأشكال».
وحذرت القائمة المشتركة، التي تضم تحالف الأحزاب العربية في إسرائيل ضمن قائمة واحدة لخوض الانتخابات البرلمانية، من تسويق المجلة في إسرائيل. وجاء في البيان: «نعبر بهذا عن موقف موحد يرفض، بحجة حرية التعبير، الإساءة بأي طريقة وحال للرسول العربي الكريم ولكل المعتقدات الدينية والمقدسات وفي نفس الوقت تعبر عن موقف واضح وحازم مع حرية التعبير بما لا يشمل خطاب الكراهية العنصري، وكذلك الإساءة للمعتقدات والمقدسات الدينية، التي نرى فيها فعلا جنائيا يجب أن يعاقب عليه القانون».
وبدعوة من الجماعة الإسلامية الأحمدية، أقيم في حيفا، الليلة قبل الماضية، مؤتمر بمشاركة رجال دين يهود ومسيحيين ومسلمين ودروز، ردا على ليبرمان. وشارك في هذا المؤتمر متضامنا، رئيس بلدية حيفا، يونا ياهاف. وبرز حضور رجال الدين اليهود: الراب دوف حيون، والراب ديفيد أبو حصيرة، والراب غولان بن حورين. ورجال الدين المسيحيين، الأب صالح خوري كاهن رعية الروم الأرثوذكس في سخنين، ومن الطائفة الدرزية: الشيخ توفيق حلبي، ومن المسلمين كل من الشيخ سمير العاصي إمام مسجد الجزار في عكا، والشيخ سليمان سعيد السطل، إمام مسجد النزهة في يافا. وتخلل المؤتمر كلمات كثيرة استنكر فيها الحضور من كل الشخصيات الدينية والاجتماعية ما قام به ليبرمان بتسويق مجلة «شارلي إيبدو» في إسرائيل.
وقال محمد شريف عودة إمام الجماعة الأحمدية، إن «حرية التعبير هي قيمة مهمة ينبغي المحافظة عليها، وهي وضعت أصلا لتحقيق الأمن والسلام والحياة الأفضل، لكي يطّلع الناس بحرية على ما يدور حولهم، ولكن استخدامها بخلاف الهدف الذي وضعت من أجله بحيث تصبح سببا للإخلال بالأمن وإيذاء مشاعر الناس يحرفها عن هدفها. لذلك ينبغي ألا ننجر خلف من يستغلون هذا الحق لتحقيق مآربهم الشخصية ومكاسبهم معرِّضين أمن العالم وسلامه للخطر. هؤلاء ليسوا أمناء على القيم والمبادئ الإنسانية، وينبغي التنبه إلى أفعالهم ومخططاتهم».
وقال الراب ديفيد أبو حصيرة: «اليوم نحن نرفع صرخة للسماء آملين أن توقف صرختنا هذا العمل، يوجد خط أحمر ومشاعر يجب مراعاتها». أما الراب دوف حيون فجاء في كلمته: «كلنا من أجل حرية التعبير، وكلنا سنحارب حرية الإهانة، إنه لمن الصعب جدا إطفاء حريق مثل الذي أشعله ليبرمان، ولكن نحن معا ومن حيفا سنطفئ هذا الحريق». أما الأب صالح خوري فقد ألقى كلمة أكد من خلالها على قيم المحبة والسلام والاحترام المتبادل واختتمها بالقول: «جئنا إلى هنا لنستنكر الإساءة للإنسان فما بالك إذا كان هذا الإنسان شخصية مقدسة مثل محمد رسول الإسلام»، ودعا لمحاكمة المسؤولين عن هذه الإساءة.
وبدوره، أشاد الشيخ توفيق حلبي من الطائفة الدرزية بحيفا كنموذج للتآخي وحذر من التطرف، وأبدى رفضه واستنكاره لكل ما يسيء للأديان والمقدسات تحت اسم حرية الصحافة، واختتم كلمته بشكر أمير الجماعة على هذه اللفتة الكريمة وعلى خطابه المعبر. أما الشيخ سمير العاصي، إمام مسجد الجزار في عكا فقد أشاد بالجماعة الإسلامية الأحمدية لاختيارها لهذا الأسلوب الذي وصفه بالحضاري المحمدي، للرد على من يتسلقون على دماء الأبرياء من خلال إثارة الفتن ونقلها من فرنسا إلى البلاد!
محكمة إسرائيلية تجيز توزيع «شارلي إيبدو».. ورجال دين يهود ومسلمون ومسيحيون يعترضون
الراب ديفيد أبو حصيرة: ليبرمان أشعل فتيل النار وعلينا جميعا إطفاؤها
محكمة إسرائيلية تجيز توزيع «شارلي إيبدو».. ورجال دين يهود ومسلمون ومسيحيون يعترضون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة