حمد الماجد
كاتب سعودي وهو عضو مؤسس لـ«الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان السعودية». أستاذ التربية في «جامعة الإمام». عضو مجلس إدارة «مركز الملك عبد الله العالمي لحوار الأديان والثقافات». المدير العام السابق لـ«المركز الثقافي الإسلامي» في لندن. حاصل على الدكتوراه من جامعة «Hull» في بريطانيا. رئيس مجلس أمناء «مركز التراث الإسلامي البريطاني». رئيس تحرير سابق لمجلة «Islamic Quarterly» - لندن. سبق أن كتب في صحيفة «الوطن» السعودية، ومجلة «الثقافية» التي تصدر عن الملحقية الثقافية السعودية في لندن.
TT

استشراف عهد الملك سلمان

في صبيحة الجمعة الماضية، بضعة قرارات ملكية سعودية ممهورة بختم الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز لم تستغرق تلاوتها بضع دقائق، كانت كفيلة بتبديد أشهر، بل سنوات من الجدل والسيناريوهات المتشابكة المعقدة على الصعيد المحلي والعربي والعالمي حول عبور السفينة السعودية مضيق الانتقال بالسلطة لجيل الأحفاد إلى بحر الاستقرار السياسي السعودي.
كان تعيين الأمير محمد بن نايف، وهو من جيل الأحفاد، رجلا ثالثاً في الدولة وقبيل مراسم الدفن والبيعة، من أبرز القرارات السيادية الملكية، ويعتبر منجزاً جريئاً وحكيماً للملك سلمان استطاع تحقيقه في السويعات الأولى لحكمه، هذا الإنجاز المبكر بعث برسالة طمأنينة للمواطن السعودي وللعالم أجمع، بأن البيت السعودي قادر على ترتيب شؤونه الداخلية بحكمة وحزم واقتدار.
وتتضاعف أهمية وقيمة هذه القرارات الملكية في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، إذا أخذناها في إطار حدوثها في عصر رياح الثورات العربية الساخنة التي تطاير شررها، فأطاحت بأنظمة عتيدة لم يكن يتصور أكثر المتشائمين أنها ستنهار بهذه السهولة، لم يكن الشعب السعودي بمعزل عن التعرض لغبار الحراك العربي المثير، فالفضاء مفتوح والإعلام الجديد صار في متناول الجميع وعلى الرغم من هذا كان التحدي بالفعل لا بالقول فتماسكت السفينة السعودية في عهد الراحل عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله، وسط الاضطراب العربي المقلق، وواصل البعض الرهان على أن مرحلة انتقال السلطة بعد مرحلة الملك عبد الله، ستشكل البيئة الحاضنة للاضطراب، ليأتي التأييد الشعبي التلقائي للقرارات الملكية عبارة عن تصويت شعبي ليس في تأييد هذه القرارات فحسب، ولكن للإعلان الشعبي الصريح بأن السعوديين لن يقبلوا مسار الثورات الخطر سبيلا للإصلاح، وإنما الإصلاح والتغيير يأتي من خلال منظومة وهيبة الحكم، التي رأيناها تآكلت وأكلت الأخضر واليابس في سوريا واليمن وليبيا وحتى مصر وتونس، وهما الأقل ضررا.
لا يساورني شك أن للملك سلمان بن عبد العزيز، الذي التقيناه مرات عديدة، وأرعى سمعه وفتح صدره لمناقشاتنا الصريحة والشفافة، بصمة مختلفة خاصة في استيعاب التضاريس الفكرية المتنوعة في بلاده، لدرجة أن أحداً لا يستطيع أن يصنف الملك سلمان إلى صفه، وهذه ميزة في غاية الأهمية وتتطلبها المرحلة، خاصة بعد أن شهدت البلاد سجالات بين بعض النخب الفكرية وصلت إلى حد الإقصاء والاستعداء والضرب تحت الحزام.
وزادت في المقابل وتيرة التفسيق والتبديع والتكفير. أنا على يقين أن الملك سلمان بما يملكه من حضور وجسور مدّها مع الجميع، واستوعب بها الكل من خلال اهتمامه الخاص بالمثقفين والأكاديميين والإعلاميين، سيشهد عهده نزعة وتوجها للتصالح بين التيارات المختلفة، وسيؤمن الجميع، كما هي قناعة الملك سلمان، أن التنوع الفكري والثقافي والأيديولوجي هو كتنوع الصحراء السعودية، التي تحوي في تضاريسها الجبال والرمال والأودية والتلال، لا يملك أي أحد مهما بلغ من القوة والنفوذ أن يغير ملامحها، ناهيك عن أن يجتثها من أصولها، خاصة وأن البلاد بحاجة لكل مكوناتها الفكرية المختلفة للتصدي لما يحاك لها، ففي الشمال الخطر الداعشي وفي الجنوب الخطر الإيراني من خلال مخلبها الحوثي في اليمن، فلا يليق والبلاد تواجه هذه التحديات أن يقصي طرف طرفاً آخر من معادلة حماية الوطن، أو يتهمه بالتخوين والارتماء في معسكرات خصوم الوطن.