نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

الالتباس المضلل

كشفت معركة مجلس الأمن الأخيرة، أن الفلسطينيين واقعون تحت وطأة الالتباس في فهم من معهم ومن ضدهم، وكيف يمارس الـ«مع» والـ«ضد»، وهذا الالتباس هيأ لهم ربيعا عالميا مزدهرا في دعمهم والتعاطف مع كفاحهم من أجل حقهم في تقرير مصيرهم دون الانتباه إلى أن للعالم اجتهادا مختلفا في كيفية التعبير عن هذا الدعم، وتحويله من تعاطف مبدئي وأخلاقي إلى حقائق سياسية تفضي في وقت معقول إلى قيام دولتهم وتسوية بقية حقوقهم.
العالم يصوت لمصلحة الفلسطينيين في كل محفل، ما دام التصويت لا يتعدى ضغط الزر على نعم أو لا، ولقد حدث ذلك في كل البرلمانات، ودورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، وغيرها، وغيرها من المحافل، إلا أن هذا التصويت ذا الطابع الأخلاقي والتضامني، يبدو عديم القيمة حين يصطدم بمؤسسات القرار الفعلي التي يقع في مركزها دوليا مجلس الأمن، وعمليا الكونغرس الأميركي صاحب التأثير الجهنمي على قرارات الإدارة وتوجهاتها.
القرار الأساسي الأميركي هو تحريم الذهاب إلى مجلس الأمن تخصيصا، تحت حجة أن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي لا يعالج إلا على موائد المفاوضات، وحين يقال لهم إن المفاوضات لم تجد نفعا على مدى سنوات، يجيبون.. وكذلك مجلس الأمن لم يجد على مدى عقود.
ووفق هذا المنطق، يتحد المجدي وغير المجدي في السياسة الأميركية، ويدفع الفلسطينيون دائما ثمنا باهظا بين حدي هذه المعادلة.
وفي الوقت الحاضر، الوقت الذي لم يبق فيه محفل عالمي إلا واعترف بحق الفلسطينيين في دولة، ولم يبق برلمان، بما في ذلك البرلمان الإسرائيلي، إلا واعترف صدقا أو تحايلا بحل الدولتين.
في هذا الوقت، يرتسم الالتباس المدمر على مستوى العالم بأسره، لتشهد مواقف أخلاقية صريحة تعطي الفلسطينيين ما يطلبون، مقابل سياسات ممارسة تجعل من حصولهم على ما يطلبون أمرا مستحيلا، المسألة هنا ليست حالة تمويه وخداع، بل إنها جوهر العمليات السياسية الفعلية إقليميا ودوليا، ولنأخذ حقيقة الإجماع العربي والإقليمي في دعم الفلسطينيين علنا بالذهاب إلى مجلس الأمن، وفي الوقت ذاته، لندقق جيدا في مواقف كل دولة على حدة من هذا الإجماع، لنجد أن الممثل الأبرز للموقف العربي في أمر الذهاب الفلسطيني إلى مجلس الأمن، هو الجامعة العربية المحتضرة، عديمة الفاعلية والنفوذ، أما المواقف الفعلية من الأمر فيهمس بها في الآذان بالقول، لا لزوم للذهاب الآن، ووراء هذه الجملة ألف حجة وحجة، إلا أن السبب الجوهري في هذا الموقف هو الحسابات والأولويات التي ليس من بينها القضية الفلسطينية في هذا الوقت بالذات.
ضمن هذه الشبكة يقف صانع القرار الفلسطيني، وهو غير متأكد من معه ومن ضده، وغير متأكد كذلك من أن من معه اليوم قد يتحول إلى ضده بعد ساعات وتحت ضغوط مكثفة ومساومات على المصالح، وغير متأكد كذلك من أن من أيد في الجمعية العامة أو مجلس الأمن، يملك بعض قدرة لدفع المطالب الفلسطينية المتواضعة بضعة سنتيمترات إلى الأمام، أم أن الدعم التصويتي يكفي أصحابه شر الفعل والالتزام.
وما حدث بشأن مجلس الأمن من شعور فلسطيني بخيبة الأمل والإحباط، مع أن الصورة كانت واضحة مسبقا، لا بد وأن يحدث مثله عندما يذهب الفلسطينيون إلى مؤسسات أخرى، ذلك أن القدرة الأميركية المباشرة وغير المباشرة على إحباط التوجهات الفلسطينية لا تزال في أوجها. أما قدرات المصوتين بضغطة زر فهي لا تزال تراوح في مكانها، أي دون قدرة فعلية على التأثير.
هذا هو الالتباس الذي يصيب صناع القرار الفلسطيني بحالة من عدم اليقين، ولا خلاص من هذه الحالة سوى إعادة النظر في الحسابات الملتبسة، لمصلحة الحسابات الواقعية، وبعد ذلك قد تكون القرارات والتوجهات أكثر حكمة وفاعلية.