ليونيد بيرشيدسكي
TT

سر تراجع الروبل مع ارتفاع النفط

لجأت الحكومة الروسية والأسواق الأوسع لظاهرة تراجع أسعار النفط لتفسير الانخفاض السريع في قيمة الروبل. ومع ذلك، بدا واضحا الآن أن إجراءات المصرف المركزي الروسي ومؤسسات مالية أخرى ربما لعبت دورا أهم عن دور النفط في ذلك التراجع.
ولنمعن النظر في ما حدث قبل أيام: لقد عاود النفط ارتفاعه نتيجة تواتر أنباء عن توقف المعروض القادم من ليبيا، ومع ذلك استمر انخفاض الروبل، حيث فقد 2.8 في المائة من قيمته أمام الدولار.
ومثلما أخبرني مسؤول بارز بالمصرف المركزي الروسي الأسبوع الماضي، فإنه لو كانت العلاقة بين العملة وأسعار النفط حقيقة مؤكدة للجميع كان ينبغي أن يستعيد الروبل قيمته المفقودة مع ارتفاع أسعار النفط. ومن السهل أن يهون البعض من قيمة هذا الأمر باعتباره مجرد استثناء، لكن هناك أدلة ظهرت مؤخرا تشير إلى خلاف ذلك، حيث جمعت شركة «روسنفت» النفطية الروسية المملوكة للدولة، 625 مليار روبل (10.8 مليار دولار تبعا لمعدل الصرف حينها) عبر إصدار سندات تقدم عائدا أقل من سندات الحكومة الروسية ذات أجل الاستحقاق المشابه. وسارع المصرف المركزي الروسي لإضافة السندات لقائمة الأوراق المالية التي يقبلها كضمان من المصارف الساعية للحصول على سيولة. وما زال الغموض يكتنف هذه الصفقة، حيث لم يتضح من اشترى السندات أو كيف استغلت «روسنفت» العائدات. ومع ذلك، تبقى هناك ثلاثة احتمالات واضحة لما يمكن أن يحدث الآن:
أولا: يمكن أن تستغل المصارف التي اشترت الأوراق الصادرة عن «روسنفت» - ومن المحتمل أن تكون مصارف ضخمة مملوكة للدولة - السندات كضمان لاقتراض عملة أجنبية من المصرف المركزي، ثم تسدد النقد لـ«روسنفت» من خلال مقايضة للعملة. وسيمكن هذا الترتيب الشركة النفطية من إعادة تمويل قرض بقيمة 6.88 مليار دولار من مصارف أجنبية. إلا أنه تبعا لهذا السيناريو سيحتاج المصرف المركزي للسحب من احتياطياته الأجنبية التي لا يرغب المصرف في استنزافها.
ثانيًا: بمقدور «روسنفت» استثمار الروبل في الإنتاج. وقد أعلنت الشركة بالفعل عزمها توزيع الأموال على العديد من الشركات الفرعية التابعة لها. إلا أن كل شركة ستحصل على حصة مكافئة لغيرها، مما يوحي بأن هذه الأموال غير مخصصة للاستثمار.
ثالثا: بإمكان «روسنفت» استغلال الروبل في شراء دولارات لسداد الديون بالسوق. بيد أن هذا الإجراء سيتسبب في تقليص معدل صرف الروبل بصورة بالغة.
في الواقع، من المنطقي افتراض أن المصرف المركزي أبرم اتفاقا شفاهيا مع إدارة «روسنفت» - وبالتالي مع الكرملين، باعتبار أن الرئيس التنفيذي للشركة هو إيغور سشين، أحد الأصدقاء المقربين من الرئيس فلاديمير بوتين - للإبقاء على الروبل بعيدا عن سوق الصرف الأجنبي. وستتعين مشاركة المصارف التي اشترت السندات في مثل هذا الاتفاق، وبمقدورها استغلال هذا الوضع في الاقتراض من المصرف المركزي، بجانب قدرتها على إغراق السوق بالروبل ودفع قيمة العملة نحو الانخفاض.
بيد أن هذا الأمر يبقى من غير المحتمل لأن مثل هذا الاتفاق يتعذر فرضه. ومن المستحيل تتبع أموال «روسنفت» بدقة، علاوة على افتقار المصرف المركزي إلى الثقل السياسي اللازم للسيطرة على سشين. الواضح أن انخفاض معدل الصرف للروبل أمر جيد لـ«روسنفت» التي تقدر نفقاتها بالروبل بينما تقدر عائداتها بالدولار. كما أنه من السهل على المصارف التابعة للدولة إيجاد سبل لكسر الاتفاق غير الرسمي وتخزين عملة صعبة عبر اللجوء إلى وسطاء.
وقد ساور القلق مسؤولي المصرف المركزي من التكنوقراط حول إمكانية سعي الحكومة لإجبارهم على طبع روبل لتمويل الصناعات مباشرة، خاصة مجمع الصناعات العسكرية والشركات المملوكة للدولة التي يديرها أصدقاء بوتين. ويعني تواطؤ المصرف المركزي الواضح في اتفاق «روسنفت» أن هناك ضغوطا بالفعل، وأن المصرف المركزي أذعن لها. وليس باستطاعة المصرف الحيلولة دون تسبب الأموال التي يقرضها لشركات عبر اتفاقات خاصة مثل تلك المتعلقة بـ«روسنفت» في زعزعة استقرار العملة وإثارة الذعر بالأسواق. علاوة على ذلك، يبعث اتفاق «روسنفت» برسالة واضحة للعناصر العاملة بالسوق مفادها أنهم ليسوا جميعا على قدم المساواة، وهذا في حد ذاته سبيل مؤكد لإحداث انهيار في الروبل بغض النظر عن أسعار النفط.
وينبغي أن يضع جميع من يحاولون تفهم الأسواق الروسية العاصفة اليوم نصب أعينهم أنهم يتعاملون مع نظام استبدادي باستطاعة سلطاته النقدية اتباع سياسات منطقية فقط حتى تصدر لها أوامر من بوتين بخلاف ذلك.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»