إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

الكنز عراقي والقاضي فرنسي

أمام قاضي التحكيم في باريس قضية لا تخلو من إثارة، تتواجه فيها شركة دنماركية مع المسؤولين عن الآثار في العراق. وموضوع الخصومة هو كنز نمرود. وطبعا فإن الكنز عراقي بالكامل لكن الدنماركيين يطالبون بتنظيم معارض له في عواصم الدنيا. ما حكاية هذا الأثر النادر الذي ينافس في روعته ذهب الفراعنة وتحف أباطرة الصين ونفائس مهراجات الهند؟
كان نمرود بن كنعان، سليل النبي نوح، أول ملك يضع تاجا على رأسه ويتجبر في الأرض. وإليه يُنسب بناء برج بابل في بلاد الرافدين. أما الكنز فيتألف من 650 قطعة من الحلي الذهبية والعاج، يصل وزنها إلى 45 كيلوغراما. ونظرا لدقة صياغتها وقيمتها التاريخية فإنها تستحق أن تكون من عجائب الدنيا. وقد روى خبير الآثار العراقي الدكتور بهنام أبو الصوف كيف أن مهندسين شبابا من دائرة الآثار في الموصل عثروا على المصوغات الذهبية بينما كانوا يرممون القصر الشمالي للملك آشور ناصربال الثاني، أواخر ثمانينات القرن الماضي. ورجح الخبير أنها تعود إلى ملكتين آشوريتين وقد دفنت في قبريهما في موقع نمرود، شمال المدينة.
أحدث اكتشاف الكنز والصور الباهرة التي نشرت له ضجة في الأوساط المحلية والآثارية العالمية. وقد جرى حفظه في خزائن البنك المركزي في بغداد. وقيل إنه نقل، قبل الحرب، إلى ملجأ محصن ضد الضربات النووية. وحين دخل الأميركان إلى العراق وجدوا كنز نمرود مخبأ في قبو تسللت إليه المياه، أسفل البنك المركزي. وفي معمعة النهب والفوضى سرت شائعة بأنهم سرقوه ونقلوه إلى بلادهم. ولتكذيبها، عمدت سلطات الاحتلال إلى عرض الكنز في المتحف العراقي، ليوم واحد، وجرى التقاط الصور للحاكم المدني بول بريمر وعدد من الجنرالات الأميركيين وهم يتأملون الأساور والقلائد والأقراط المرصعة بالفيروز، يرافقهم مجموعة من الموظفين العراقيين. وبعد الاستعراض الإعلامي أُعيد الكنز إلى الخزائن.
ما علاقة كوبنهاغن بنمرود؟ في السنة الثانية للاحتلال تمكنت شركة دنماركية من الحصول على عقد لتنظيم معرض للكنز يطوف في العواصم العالمية الكبرى. وكان رأي المسؤولين في وزارة الثقافة أن يكون العرض الرسمي الأول في المتحف العراقي. لكن بغداد تراجعت، في فترة تالية، لأن الظروف الأمنية لا تسمح بإخراج الكنز وتعريضه للخطر. ورد الدنماركيون بأن نقلوا القضية إلى هيئة تحكيم دولية في باريس، حسب أحد بنود العقد. وهم يطلبون اليوم 100 مليون دولار تعويضاً عن خسارة مفترضة. أما مكتب المحاماة الفرنسي الذي يتولى القضية عن الجانب العراقي فيرفض التعليق طالما أن الأمر أمام القضاء. والحقيقة أن كل الأطراف تلتزم بحكمة شهرزاد التي تسكت، عند طلوع الصباح، عن الكلام المباح.
لا مجال هنا للبحث في ظروف ذلك التعاقد والمستفيدين منه، لكن أسئلة كثيرة يفرضها واقع البلد. كيف كان الكنز سينقل إلى الخارج؟ بطائرة معرضة للحوادث حيث لا تغني مبالغ التأمين عن ثروة عمرها 5 آلاف عام ولا تقدر بثمن؟ أم عبر شاحنة تعبر الحدود وتجتاز مناطق غير مأمونة، أو سفينة تمخر في بحار القراصنة الجدد؟ وفي حال وصلت قطع الكنز سليمة إلى الخارج، أليس من الجائز أن يجري الاستحواذ على بعضها واستبدال قطع مزورة بها؟ من يضمن أن يعود ذهب نمرود إلى أهله؟
تقول الحكاية المتداولة إن عائلة أحد المتنفذين في بغداد طلبت الاطلاع على الكنز بعد اكتشافه. وقد نقلت مئات القطع الذهبية إليها وعادت ناقصة قرطاً. هل هو القرط الذي جاء في الأخبار أنه ظهر في مزاد لدار «كريستيز» في نيويورك وصادرته السلطات هناك وأعادته إلى العراق؟ وصف عمر بن أبي ربيعة امرأة طويلة العنق بأنها «بعيدة مهوى القرط». كيف كان الشاعر سيصف طوال الأيدي، في زمننا العراقي الراهن؟