عبير مشخص
صحافية وكاتبة سعودية في مجال الفنون والثقافة
TT

حاتم الطائي في كانساس

في إحدى فقرات البرنامج الإخباري 60 دقيقة على شبكة «سي بي إس» الأميركية عرض فيلم قصير جدا عن «سانتا الخفي»، عبر الفيلم رأينا قوة الشرطة في مدينة كانساس تقوم بدور سانتا كلوز أو بابا نويل، فيفاجئون السائقين أو مراكز إيواء المشردين ويقومون بتوزيع الأوراق المالية متمنيين لهم موسم أعياد سعيدا. الفكرة كانت لأحد الأغنياء الذي يحرص على البقاء بعيدا عن الأضواء، ونراه في البرنامج وهو معطي ظهره للكاميرا يتحدث لأفراد الشرطة حول مشروعه. مع اللقطات التالية يتضح التأثير الذي تتركه مبادرته هذه، فنرى الضباط يوقفون السيارات على الطريق السريع ولكن ليس بطريقة عشوائية، يحرصون على تفحص الراكب وتقدير مدى حاجته وأيضا يضعون في حساباتهم حالة السيارة، فإذا كانت بحالة سيئة فذلك مؤشر لشخص يجب مساعدته. وهكذا نتبع كل مرة توقف فيها سيارة الشرطة إحدى السيارات على الطريق وما أن يقترب الشرطي من السائق نرى الترقب والتوجس على وجه السائق ولكن الشرطي يبدأ بالسلام ثم السؤال عن أحوال السائق مختتما بأنه يحمل هدية من «سانتا الخفي»، وعندها تتباين ردود الفعل ما بين البكاء وما بين الابتسامة الواسعة وصيحات الفرح. إحدى السيدات تبدو متجهمة وردت على سؤال الشرطي عن حالها بامتعاض: «كنت بخير حتى أوقفتني»، ولكن الشرطي يفاجئها بالأوراق المالية وعندها ومع دهشتها تنهمر دموعها قائلة «كنت أفكر بأني مفلسة ولن أستطيع شراء هدايا لأولادي هذا العيد».
مقدم الفيلم يلتقي مع المحسن الغامض ويسأله «لماذا اخترت أن يقوم رجال البوليس بتوزيع هذه الهبات » فيجيبه المحسن قائلا «أردت لأفراد الشرطة أن يستمتعوا بالعطاء»، ويشرح أن البوليس يتعرض لانتقادات حادة منذ مقتل إيريك غارنر على يد البوليس في يوليو (تموز) الماضي وأن الكثيرين من هؤلاء الضباط يحملون قلوبا خيرة بداخلهم وقيامهم بهذا الدور يعكس صورة عن الجانب الآخر من عمل رجال البوليس.
مع انتهاء الشريط يبدو المذيع وعيناه مغرورقتان بالدموع لينهي الحلقة وتتوالى تعليقات المشاهدين على الموقع الإلكتروني كل منهم يصف الشعور بالامتنان لهذا الرجل النبيل الذي جعل إسعاد الآخرين مهمته في الحياة، ويذكر بعض القراء أن هذا الرجل الغامض يقوم كل عام في نفس التوقيت بالظهور في أماكن مختلفة مثل محطات البنزين ليقوم بدفع ثمن البنزين لسائقي العربات أو مناولتهم الأوراق المالية متمنيا لهم أعيادا سعيدة.
هذا المحسن النبيل هو «حاتم الطائي» في كانساس، الذي يحرص على رسم الابتسامة على شفاه الغرباء والمحتاجين، ويعلم الله كم يحتاج عالمنا هذا لأمثاله في كل مكان.