نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

فتح.. واختبار الأسئلة الصعبة

يبدو أن حركة فتح قررت أخيرا عقد مؤتمرها العام في منتصف الشهر القادم، ولو حدث ذلك فعلا، فسوف تكون المرة الأولى التي تعقد فيها فتح مؤتمرها في موعده المقرر.
ذلك أن عراب فتح الأول ياسر عرفات، كان لا يحب المؤتمرات العامة، لأنه يخشى تقليب الأحجار كي لا يفاجأ بما تحتها، ويخاف على حركته الكبيرة والفعالة، من أن يدمرها التنافس القيادي وفق احتمال أنه بعد كل مؤتمر لا بد أن يقع انشقاق ما.
كان تجنب عقد المؤتمرات له ذرائع جاهزة على الدوام، سواء من حيث صعوبة المكان، أو تعقيدات الظرف السياسي، أو الانشغال في معارك تارة مع الأشقاء ودائما مع إسرائيل، ولقد أفرز تجنب عقد المؤتمرات في فتح حالة يمكن وصفها بالخلود القيادي، فلا شرعية لتغيير أي قائد إلا من خلال مؤتمر عام، ولا مؤتمر عام قبل مرور 20 سنة، ولقد اضطرت فتح للتكيف مع هذا الوضع منذ تأسيسها حتى المؤتمر السادس الذي عقد على أرض الوطن قبل 5 سنوات من الآن، ومؤتمر فتح المحتمل سوف يواجه الكثير من الأسئلة الصعبة، ومطلوب منه أن يجيب عنها، ذلك أن فتح ورغم تفوق حماس عليها في صناديق الاقتراع، تظل هي ولا أحد غيرها صاحبة المشروع الوطني الأساسي للشعب الفلسطيني، وصاحبة الولاية المادية والمعنوية من خلال أهم إطارين وطنيين، هما منظمة التحرير والسلطة الوطنية.
السؤال الأكبر الذي لا يملك مؤتمر فتح إلا أن يجيب عنه هو، ماذا ستفعل في قادم الأيام بعد أن فشل رهانها الأساسي على المفاوضات؟
ماذا ستفعل في أمر الوحدة الفلسطينية بعد الانقسام المتمادي الذي فرض نفسه عليها، وأضعف كثيرا من قدراتها القيادية في المجتمع الفلسطيني؟
ثم ماذا ستفعل إذا ما أفشلت الولايات المتحدة توجهها إلى مجلس الأمن بحيث يكون الفشل والحالة هذه شبيها بفشل رهان المفاوضات؟
ثم ماذا ستفعل في أمر تنظيم البيت الفلسطيني وتجديد الشرعيات المتآكلة في قياداته وإداراته؟
أسئلة على هذا المستوى من الأهمية والمصيرية، لا ينفع معها التجاهل أو اللجوء إلى جواب.. «لكل حادث حديث». ذلك أن مصير القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني مرتبط بهذه الإجابات، والسياسات التي توضع لمعالجتها.
وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن حركة فتح ليست مجرد تنظيم كباقي التنظيمات كبيرة كانت أم صغيرة، وليست حزبا يتداول السلطة بسلاسة مع منافسيه عبر مؤسسات وطنية راسخة، إنها بالضبط حركة شعبية اكتسبت شرعيتها من الإنجازات وملء الفراغات، والتمدد دون قواعد أو ضوابط حيثما وجد الفلسطينيون، وكل المبادرات السياسية التي أثارت جدلا واسعا في حياة الفلسطينيين، إما أنها انطلقت من فتح أو أن فتح تبنتها حين أطلقها آخرون، وبالتالي تظل فتح رغم كل ما حل بها من انتكاسات وانشقاقات وتراجعات، هي المسؤول الأول والأخير عن المشرع الوطني الذي وضعته، وهي فوق ذلك المسؤول عن المصير الفلسطيني.
إن ترتيب وضع فتح والحالة هذه، يمس بصورة مباشرة وأساسية مجمل الوضع الفلسطيني، وإذا ما وسعنا الدائرة فبإمكاننا القول إن وضعها سلبا وإيجابا يمس واقع وقدرات وأجندات قوى الاعتدال في العالم العربي، فإذا كان الاعتدال العربي هو الحليف التاريخي والمصيري لحركة فتح من بداية مسيرتها حتى يومنا هذا، فإن تقدمها أو تراجعها يحسب تقدما لفصيل من فصائل الاعتدال العربي أو تراجعا له.
وما يعطي للوضع الفلسطيني امتيازا خاصا بين قوى الاعتدال، هو المكان أولا حيث التماس المباشر مع إسرائيل، والمحتوى حيث فلسطين لا تزال القضية المركزية الاستراتيجية المؤثرة في الواقع العربي.
إن بعض فتح بكل أسف يتعامل معها بمنطق مختلف عما تقدم، وقد يرى فيها حزبا أو فصيلا يلعب لعبة داخلية، لا تتخطى حيز المكان الضيق الذي تعيش فيه، فهل يعدل المؤتمر المرتقب الوعي قبل أن يعدل الميزان؟ هذا ما يجب أن يكون إذا ما أردنا أن نرى منطلقا جديدا للسياسة الفلسطينية المندمجة موضوعيا مع سياسات وأجندات ما حولها.