أعادت حادثة مقتل الأميركية في أبوظبي أخيرا، على يد المنتقبة الإماراتية، الاهتمام بظاهرة استقطاب النساء للأعمال الإرهابية. وكانت وزارة الداخلية الإماراتية قبضت على المشتبه بها. وأظهرت في فيديو مصور امرأة تتحرك بمظهر «شبحي» وهي ترصد أهدافها وتقوم بالاعتداء على المواطنة الأميركية، فيما فشلت مع هدفها الثاني، الأميركي الذي زرعت بجانب باب منزله قنبلة بدائية الصنع.
يحظى الجناح النسوي من «القاعدة» والجماعات المتناسلة منها، مثل «داعش»، باهتمام متزايد بدورهن المساند الذي يمكن أن يقمن به، غير أنه عبر عدة مراحل سادت حالة جدل طويلة داخل التنظيم حول المدى الذي يمكن أن تتورط فيه الناشطة «القاعدية».
إلى أن جاءت لحظة «الربيع العربي» التي خرجت فيه السيدة الأولى لـ«القاعدة» زوجة الإرهابي أيمن الظواهري، زعيم التنظيم، وامتدحت في رسالة نادرة نشرت على موقع إلكتروني دور المرأة في انتفاضات الربيع العربي قائلة: «إن الاضطرابات ستصبح قريبا ربيعا إسلاميا»، بحسب وكالة الأنباء العالمية «رويترز».
منذ بواكير الإعلام «الإلكتروني» لتنظيم القاعدة وهو يحرص على أن تكون نافذته على التجنيد من خلف الشاشة، بسبب الأمان النسبي الذي توفره فضاءات الإنترنت في هذا النوع من الأعمال الخارجة عن القانون.
هذا الأسلوب الذي حقق أعلى نجاحاته سابقا ليس على مستوى العالم العربي ودول العالم الثالث فقط، بل وتجنيد الأفراد داخل دول غربية، فضلا عن استقطاب «مجاهدين ومجاهدات» لمناطق الصراع.
فما زالت الذاكرة طرية بحادثة الطبيب في الجيش الأميركي نضال مالك حسن، الذي أطلق النار على زملائه في قاعدة «فورت هود» في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) 2009 ليقتل 13 جنديا ويصيب أكثر من 30 آخرين. وهي الحادثة التي أظهرت خيوط قضيتها تبادله الرسائل الإلكترونية مع أنور العولقي، «منّظر» المجلات الإلكترونية لـ«القاعدة»، وهو المشرف العام على مجلة «إلهام» الناطقة باللغة الإنجليزية، التي استهدف محتواها الجيل الثالث من مقاتلي «القاعدة» ممن تشكل اللغة حاجزا للتواصل معهم.
قبل التطرق للمحتوى «النسوي» الموجه لـ«حواء القاعدة» من خلال مجلاتهن ومطبوعاتهن، لا بد من الإشارة إلى أن أول عملية انتحارية في العراق لصالح التنظيم قامت بها بلجيكية تدعى مورييل ديغوك التي نفذت عملية انتحارية في العراق عام 2004، وفتحت الطريق أمام تزايد العمليات الانتحارية النسوية في العراق تحديدا، في حين فشلت ساجدة الريشاوي، المرأة الثانية، في تفجير حزامها المفخخ في أحد فنادق الأردن، وما زالت مسجونة إلى الآن.
يقول محلل شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، في تصريح لـ«بي بي سي أرابيك دوت كوم»: «إن قائد تنظيم القاعدة السابق في العراق أبو مصعب الزرقاوي كان مترددا في إشراك النساء في العمل المسلح، لكنه قبل بعد عملية ديغوك، ومنذ ذلك الحين شهد العراق ما يزيد على 500 عملية انتحارية».
ويزيد: «هناك أيضا مليكة العرود التي ما زالت تحاكم في بلجيكا على خلفية (تحريضها على الجهاد) عبر الإنترنت، وأيضا الأميركية كولين لاروز التي تعرف (جهاد جين) وهي متهمة بـ(التآمر) لقتل رجل سويدي ومحاولة تجنيد مقاتلين عبر الإنترنت لارتكاب عمليات إرهابية في الخارج».
* الخنساء والشامخة
* أولى مخاطبات تنظيم القاعدة للجناح النسوي كان من خلال زاوية «حفيدات أم عمارة» في مجلة «صدى الملاحم» إحدى أولى المجلات الإعلامية لـ«القاعدة»، إلى أن جاءت مجلة «الخنساء» التي كانت مخصصة للنساء بالكامل. وكانت مشرفتها «أم أسامة»، وهي سيدة مصرية اعتقلتها السلطات السعودية لنشاطها في الذراع الإعلامية النسائية للتنظيم، واعترفت بأنها مسؤولة تحرير مجلة «الخنساء» الإلكترونية المتطرفة التي صدرت عام 2004، ولم يصدر منها أكثر من عددين. وحمل هذان العددان شعارات وعناوين من نوع «سنقف في أرض المعركة بعباءاتنا وحُجبنا، حاملات بأيدينا السلاح والأطفال»، وأخرى مثل «كيف تصنع قنبلة في مطبخ والدتك؟».
وكان التلفزيون السعودي بث اعترافات لـ«أم أسامة» توضح فيها أنها كانت تقوم بـ«مهام لوجيستية» لـ«القاعدة» من خلال موقعها الإلكتروني، كما تمثل دورها بالإشراف على تدريب «مجاهدات القاعدة»، وتحرير القسم النسائي لمنشوراتها في السعودية.
في العامين الأخيرين ظهرت مجلة «الشامخة» وهي الإصدار النسوي الأحدث لتنظيم القاعدة، ولكن بمحاولة أكثر حيوية وحركة، ولكنه كتصميم ومحتوى ظل دون سقف الهواة.
مجلة «الشامخة» التي تصفحت «الشرق الأوسط» محتواها في أحد موضوعات «المنتدى الرسمي للدكتور محمد العريفي»، تشير بوضوح في أحد أعدادها إلى حالة التعبئة التي تنشدها داخل مجاميع النساء المتطرفات وتعزيزها بالحجج، والتبريرات العاطفية، فتحت زاوية «أوراق من دفتر مجاهدة»، كتبت «أم سعيد» في فاصل إنشائي مدرسي ما نصه: «إن المرأة عنصر مهم في الصراع اليوم. يجب حضورها وبكل إمكانياتها وعواطفها. وحضورها ليس عبارة عن مكمل في الصراع. كلا.. بل إن حضورها ركيزة من ركائز النصر ومواصلة الطريق».
وفي صفحات أخرى يجري المحرر «القاعدي» للمجلة حوارا صحافيا مع «زوجة مجاهد» ويسألها: «قبل الحديث عن زوجك، تقبله الله، وقصة نفيره، نود أن تحدثينا عن قصتكما منذ البداية.. وهل كان مجاهدا عندما تزوجتما، أم التحق بالركب بعد ذلك؟». وتجيب الزوجة: «بل ما فكرت يوما في الزواج من مجاهد. فمن أين سيأتي؟ وكيف سأقنع الأهل؟ ومن يفهمني ويتفهم همومي وهدفي؟ فمللت الحياة الذليلة وقررت ألا أتزوج طالما سيكون الزواج بعيدا عن نصرة الله (..) وحين التقينا سألني: أين تريدين أن نسكن.. قريبا من أهلي أم أهلك؟ فقلت له لا أريد بيتا هنا وإنما سيكون بيتنا في أفغانستان إن شاء الله».
يستمر الحوار على هذا الرتم التبشيري والوعظي في بقية أبواب أعداد المجلات، غير أن مفاجأة عدد «الشامخة» الإرهابي وهديتها لباقي «الإرهابيات» كانت تحت عنوان «بيتي» التي احتوت فصولها على الموضوعات التالية: «ركن جمال الشامخة، ركن الشامخ الصغير، ركن إتيكيت الشامخة، ركن مهارات منزلية». هذا الدليل العصري لـ«الإرهابيات الجدد» كانت تحت توقيع كاتبة باسم «هالة نبيل».
وتنصح هالة قارئاتها تحت فصل «إتيكيت الشامخة» بأن تتنبه لطريقة مشيها، بأن لا تكثر «من التلفت يمنة ويسرة أثناء المشي، كما أن كثرة التلفت تدل على غياب الرزانة».
وتضيف: «لا تجعلي رأسك مرفوعا بصورة واضحة، بل سيري وأنت مطرقة إطراقة خفيفة، فهذا يكسبك وقارا وأيما وقار. لا تسيري ببطء وكأنك تتمشين، بل حاولي الإسراع قليلا في مشيك، فهذا يدل على جديتك، كما يحافظ على وقتك من الضياع في التكسر في الطريق».
ثم تكمل هالة بقية النصائح المتعلقة بنضارة البشرة وعدم التعرض لأشعة الشمس للحفاظ عليها من التعرض للسمرة، مع وعد بمفاجأة العدد المقبل الذي سيتحدث عن «كيف نزيل طبقة الخلايا الميتة؟».
* نساء القاعدة
* سياقات الإرهاب المختلفة تظهر يوما بعد آخر أن النساء، كما الرجال، معرضات للحملات «الآيديولوجية» المتطرفة ذاتها، التي تُعنى بتجنيد المأزومين نفسيا أو من يعانون ضغوطا اجتماعية أو اقتصادية مختلفة، من كل أنحاء العالم.
تقول حورية أحمد الباحثة في «مركز الاتساق الاجتماعي» في لندن، ومهتمة بظاهرة مشاركة النساء في العمل المسلح، بأن (النساء في الغرب شأنهن شأن الرجال (عرضة للآيديولوجيا المتشددة)، بحكم أن الحديث عن المظالم، والنقاشات حول الهوية، والنقاب، والارتباط بـ(الأمة)، كلها تعد عوامل إضافية لجعل الخطاب (الراديكالي) جذابا».. بحسب وصفها في حديثها لـ«بي بي سي» البريطانية.
يعد وضع المرأة في تنظيم داعش باكورة تطور لمكانتها داخل التنظيمات المتطرفة لعقود، فالمنضمات إلى لواء التنظيم خليط من بنات حروب الأجيال الـ4، وهذا ما تشير له صحيفة «الحياة» في تقرير تحت عنوان «الجيل الثاني.. نساء القاعدة بين كابل وبغداد»، ونبه التقرير إلى أن «الإضافة النوعية الحقيقية هي انضمام المرأة الشيشانية ذات الخبرات الكبرى في عمليات الاحتجاز والخطف والتفجير، والتي قامت بمهمات ناجحة هزت روسيا خلال الأعوام الماضية».
يعيش الإرهاب حالة أقرب للظاهرة الكونية في شكله المعاصر، حيث لا حواجز لغة، أو عوائق عرقية، أو خلفية مدنية، قادرة على إلغائه، وكل ما يقام به اليوم هو تحجيمه، وهو أقصى ما تستطيعه مُكنة المجتمع الدولي حتى الآن على الأقل.