وضع المركز الوطني للسينما في فرنسا حدا للتصاعد الكبير الذي بلغته أجور الممثلات والممثلين في السنوات الـ3 الأخيرة. واتخذ المركز سلسلة من الإجراءات لتحقيق هذا الهدف، رغم أن ما يتقاضاه نجوم الفن السابع في باريس لا يُقارن بما يحصل عليه النجوم الأميركيون. ومع هذا فإن ممثلي الصف الأول ينقلون أماكن إقامتهم إلى سويسرا أو بلجيكا هربا من النظام الضريبي الصارم في فرنسا.
قضية أجور الممثلين كان قد أثارها المنتج والموزع فنسان مارافال في مقال نشره في صحيفة «لوموند»، وكشف فيه حقيقة ما يتقاضونه من مبالغ تلتهم حصة كبيرة من ميزانيات الأفلام وتثقل على كاهل منتجي السينما. وعلى سبيل المثال، قُدّرت واردات الممثلة ماريون كوتيار، وهي الممثلة الأغلى في فرنسا حاليا، بنحو 46 مليون يورو في العام الحالي، عن مجموعة من الأفلام وعقود الإعلانات التي أدتها.
ويرى مارافال أن النجوم الفرنسيين يتلقون أجورا زائدة ولا تتناسب مع الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد. ورغم أن عددا من الأفلام الفرنسية حقق رواجا كبيرا خلال السنوات الأخيرة وحصل على جوائز عالمية، فإن صناعة السينما ما زالت تقوم على اقتصاد يحتاج، باستمرار، للدعم الرسمي. وبهذا، فإن الممثل يثري على حساب دافع الضرائب، ذلك أن النظام المعمول به يقوم على حماية ما يسمى بـ«الاستثناء الثقافي الفرنسي».
هل تدلل فرنسا فنانيها أكثر من اللازم؟ هذا هو الانطباع الذي يخرج به من قرأ المقال الجريء لمارافال. فحتى الأفلام التي لقيت نجاحا تجاريا فإنها، في المحصلة، لم تحقق واردات تُذكر لمنتجيها وموزعيها، وبعضها انتهى بالخسارة. ويضع مارافال سبب الخسارة على المبالغ الباهظة التي يتلقاها أبطال تلك الأفلام. فالتكلفة المتوسطة لفيلم يجري تصويره في باريس تصل إلى أكثر من 5 ملايين يورو، في حين أن تكلفة فيلم أميركي من إنتاج مستقل لا تزيد على 3 ملايين.
بعد النجاح الكبير لفيلمه «الشتي.. أو في بلاد الشمال»، بات الممثل الكوميدي داني بون يتصدر قائمة النجوم الأعلى أجرا بين الرجال. لكن حصة بطل البطل لا تتناسب والواردات التي يحققها. فقد تقاضى مبلغ 3.5 ملايين يورو عن فيلم «خطة مثالية» الذي شاهده 1.2 مليون متفرج.
كما نال بون مليون يورو عن دور مدته بضع دقائق في فيلم «أستريكس». كما رفع أجره إلى 10 ملايين يورو عن فيلم «الموسوس الزائد».
في الصف الأول من النجوم الفرنسيين يقف كل من فنسان كاسيل الزوج السابق للممثلة الإيطالية مونيكا بيلوتشي، وماريون كوتيار، والكوميدي غاد المالح، وغليوم كانيه، وأودري تاتو، وليا سيدو. وتتراوح أجور هؤلاء بين نصف مليون ومليوني يورو عن الفيلم. لكنهم يرتضون بأجر يتراوح بين 50 ألف يورو و200 ألف عندما يشاركون في أميركي يجري تسويقه عالميا.
وعلى سبيل المثال، فإن فنسان كاسيل حصل على 226 ألف يورو عن دوره في فيلم «بجعة سوداء»، وهو فيلم أميركي حقق إيرادات عالمية بلغت 226 مليون يورو، بينما نال الممثل نفسه أكثر من 22 مليون يورو عن قيامه بدور جاك ميسرين، أحد أشهر الخارجين على القانون، في فيلم فرنسي لم تزد عائداته عن مليوني يورو.
من الأمور التي كشفها المنتج، أيضا، في المقال الذي كان له وقع الصدمة على القارئ العادي، أن الأفلام الـ4 الأخيرة التي قام ببطولتها دانيال أوتوي منيت بخسارات جسيمة، لكن الممثل لم يتوقف عن أخذ أجره البالغ 1.5 مليون يورو عن تلك الأفلام التي كانت القناة التلفزيونية الثانية شريكة في إنتاجها، وهي قناة مملوكة للدولة. ولا شك أن هذا الكشف كان ثقيل الوطء على ممثل فرنسي قدير بدأت تنحسر عنه الأضواء مثل أوتوي. ولمجرد المقارنة فإن النجمة المخضرمة كاترين دينوف، التي انحسرت عنها الأضواء مثله، ارتضت بقسمة أجرها على اثنين ولم تقبض سوى 300 ألف يورو عن فيلم «إنها تمضي».
أما الممثلة المتوسطة الشهرة ماريلو بيري فقد حصلت على أجر يزيد 3 مرات عن زميلها الممثل الأميركي جواكن فينيكس في فيلم «جولة بحرية». هل لأجرها علاقة بأنها ابنة الممثلة والمخرجة الفرنسية جوزيان بالاسكو؟ إن ماريلو لم تسكت إزاء ما كشفه مارافال عنها، رغم أنها لم تشكك في معلوماته. وقالت في ردها عليه إن الأجر يتحدد حسب ميزانية الفيلم؛ فإذا كانت الميزانية تسمح فإن من حقها كممثلة أن تطلب أجرا أعلى. أما شريكها في الفيلم جواكن فينيكس فهو يتقاضى في العادة أجرا يصل إلى مليوني دولار، لكنه وافق على الحد الأدنى لأن ميزانية الفيلم تعد متواضعة ولا تقاس بغيرها من ميزانيات الأفلام الكبيرة في الولايات المتحدة. وأضافت: «من حظي أن أفلامي تلقى النجاح الشعبي، لذلك لا أشعر بأنني قد سرقت هذا الأجر».
ما الإجراءات التي سيلجم بها المركز الوطني الفرنسي للسينما أجور النجوم الجدد؟ أحد تلك الإجراءات التي تمت الموافقة عليها يقوم بحجب الدعم الرسمي عن أي فيلم في حال تجاوز أجر الممثل فيه، أو المخرج، أو كاتب السيناريو، الحد المقرر في الميزانية التقديرية للمشروع. ومن الواضح أن هذا القرار يأتي نتيجة المقال الذي نشره المنتج الغاضب، قبل أشهر. وبناء عليه فقد طلبت وزيرة الثقافة من أحد الخبراء القريبين من الملف، تقديم تقرير عن قضية المبالغة في أجور الممثلين. وبحسب المقترحات التي أوصى بها الخبير رينيه بونيل وعرضت على المشتغلين بالمهنة، فإن من الضروري ترشيد ميزانيات الأفلام المدعومة من الدولة في حال تجاوزت تكاليفها الفنية حدودا معينة.
بهذا، فإن المركز الوطني للسينما لن يساعد أي فيلم تقل ميزانيته عن 4 ملايين يورو في حال كان أجر أحد نجومه يتجاوز 15 في المائة من الكلفة الإجمالية، أي 600 ألف يورو. وفيما يخص الأفلام الروائية الطويلة التي تتراوح ميزانياتها بين 7 و10 ملايين يورو فإن نسبة أجر الممثل الواحد يجب ألا تتجاوز 8 في المائة.
أما الأفلام التي تزيد تكلفتها على ذلك فإن الممثل الرئيسي فيها يتقاضى أجرا لا يتجاوز 990 ألف يورو كحد أعلى.
هل انتهى عصر الأجر المليوني في فرنسا؟ كلا بالتأكيد، فالقرارات الجديدة لن تمنع ممثلا ينتج أفلامه بنفسه، مثل داني بون، أن يحصل على أجر بعدة ملايين، لكن هذا النوع من الأفلام لن يكون مدعوما من المال العام، أي من جيب الموظف الذي يدفع ضرائبه بأمانة ولا يملك ترف الانتقال للإقامة في إحدى الجنّات الضريبية، كما فعل الممثل جيرار ديبارديو.
هل انتهى عصر الممثل «المليوني» في فرنسا؟
تحديد الأجور المرتفعة للنجوم في الأفلام المدعومة من الدولة
هل انتهى عصر الممثل «المليوني» في فرنسا؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة