علي إبراهيم
صحافي وكاتب مصري، ونائب رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط».
TT

الإمارات.. وليبيا

بين الإمارات وليبيا قدر كبير من التشابه في الظروف والإمكانات الطبيعية والثروات وتقريبا بداية الثروة النفطية، لكنّ البلدين اختارا مسارين مختلفين سياسيا، مما أدى إلى نتائج مختلفة تماما على صعيد تطور كل منهما، نراها اليوم تميل كفتها بوضوح شديد لصالح الإمارات.
الأرقام واضحة في ذلك، فالناتج المحلي الإماراتي يصل إلى نحو 400 مليار دولار، بينما الليبي يقدر بقليل من التفاؤل بنحو 70 مليارا، ونصيب الفرد في الإمارات من الناتج الإجمالي يصل إلى 28 ألف دولار سنويا، بينما هو في حدود 6 آلاف في ليبيا. ولن تتردد أي شركة عالمية إذا كان لديها مصلحة في الاستثمار في الإمارات، بينما ستقدم رجلا وتؤخر أخرى في الحالة الليبية رغم أن الفرص هائلة لو كانت الحالة الأمنية مستقرة.
تاريخ الإمارات التي تأسست كدولة اتحادية في عام 1971 أحدث من ليبيا التي استقلت في أوائل الخمسينات ثم تحولت من الملكية إلى جمهورية على يد القذافي في 1969، لكنّ البلدين ارتبطا بالثروة النفطية التي شهدت فورتها الحقيقية في السبعينات وشكلت تقريبا جزءا كبيرا من مسار منطقة الشرق الأوسط وعلاقاتها الدولية صداقة وصراعا.
تقريبا عدد السكان متماثل مع مساحة كبيرة، خصوصا في ليبيا التي تعد الدولة رقم 17 على مستوى العالم من حيث المساحة، وإنتاج النفط متقارب مع احتياطيات ضخمة وإمكانيات اكتشاف احتياطيات أخرى، خصوصا في ليبيا التي ظلت لسنوات محرومة من الاستثمار الأجنبي بسبب المقاطعة الدولية أيام القذافي.
وقد يكون لليبيا بعض الميزات النسبية على الإمارات، فهي على ساحل المتوسط على مسافة قصيرة من أسواق التصدير الرئيسية المستهلكة للنفط في أوروبا، وبعض حقولها تكلفة إنتاج برميل النفط فيه منخفضة للغاية ولا تتجاوز دولارا للبرميل.
الخيارات السياسية رسمت مسارين مختلفين للغاية للبلدين، فالإمارات اختارت الواقعية السياسية المتفاعلة مع محيطها، وتمثل هذا في موقفها في استخدام النفط في حرب 1973، وابتعدت عن المغامرات وركزت على التنمية الداخلية، والأهم توظيف ثروة النفط في بناء دولة حديثة ومؤسسات اعتمادا على الخبرات المتوافرة في السوق العالمية دون أي عقد آيديولوجية.
العكس فعلته ليبيا على يد القذافي، فقد حكمتها العقد الآيديولوجية، والمغامرات الخارجية المستنزفة للموارد، وبدلا من أن توظف ثروة النفط في بناء المؤسسات والتنمية الداخلية وتحديث الاقتصاد والمجتمع، انشغلت في برامج الأسلحة وتصدير الثورات في المنطقة العربية وأفريقيا، دون أن يكون الأساس الداخلي قويا أو يمكن أن يكون نموذجا لآخرين، فحتى كتاب القذافي الأخضر كان مثار سخرية خارجية من حيث ضحالته الفكرية.
ما يحدث في ليبيا الآن ومنذ 2011، والذي جعلها تحت رحمة ميليشيات مسلحة بعضها أفكاره تكفيرية تريد إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، هو نتاج سياسات القذافي في ليبيا التي لم تترك مؤسسات قوية تستطيع أن تصمد وقت الأعاصير والأزمات، ونتيجة خيارات سياسية واقتصادية خاطئة جعلت الاقتصاد الليبي الأسوأ بين الدول النفطية في الشرق الأوسط.
النفط ليس هو العامل الوحيد في التطور الذي وضع دولة الإمارات بتنوع مكونات الاتحاد على الخريطة العالمية بقوة، سواء اقتصاديا أو سياحيا أو سياسيا، فالأهم هو أن الإمارات نجحت في استخدام وتوظيف مميزاتها النسبية في عملية التنمية، والميزات النسبية تشمل الموقع والثروة والأسواق المجاورة والخبرات المكتسبة، بينما لم تنجح ليبيا في تاريخها الحديث في استخدام ميزاتها النسبية الكثيرة، وبدلا من أن تكون مركز ازدهار إقليميا، كانت دائما عامل توتر وقلق أمني. ومن يدري؟ ربما كانت اتخذت نفس مسار الإمارات لو لم يأتِ القذافي إلى السلطة، وإن كانت كلمة «لو» لا تصلح في كتابة التاريخ.
هذه المقارنة بين الإمارات التي احتفلت أمس بعيدها الوطني الـ43، وليبيا التي تصارع للخروج من حالة الفوضى الحالية، هي بسبب درجة التشابه في الإمكانيات والظروف السكانية والثروة، لكن الدرس الأهم والذي ينطبق على الكثير من الدول هو أن الخيارات السياسية الصحيحة التي تركز على التنمية واستغلال الميزات النسبية وتوظيف الثروة لخدمة البشر هي التي تحدث التطور والتنمية، بينما المغامرات غالبا ما تأتي بالخراب.