سوسن الشاعر
إعلامية بحرينية تكتب في بعض الصحف البحرينية منها «الوطن» و«بوابة العين الإخبارية». عضو في مجلس أمناء «جائزة الصحافة العربية». كانت مقدمة لبعض البرامج التليفزيونية. خريجة جامعة بيروت العربية.
TT

انتهى زمن احتكار ماركة «المعارضة».. الانتخابات البحرينية مثالا

خاض شعب البحرين معركة شرسة للإعلان عن وجوده وكيانه بوصفه شعبا حرا مطلق الإرادة.. شعبا متعطشا للديمقراطية المدنية أمام الرأي العام الدولي منذ فبراير (شباط) 2011 إلى يوم السبت من هذا الأسبوع يوم 22 نوفمبر (تشرين الثاني).. يوم الانتخابات التي جرت للفصل التشريعي الرابع للمجلس النيابي وللمجالس البلدية.
حين اختطفت مجموعة الوفاق الثيوقراطية «مقعد» تمثيل الشعب البحريني دوليا، وادعت أنها مخولة من شعب البحرين التحدث باسمه مدعية احتكار ماركة «المعارضة»، وجد الشعب البحريني نفسه أمام مهمة تكاد تكون مستحيلة في إقناع العالم بأن ذلك الادعاء غير صحيح، وأن هذه المجموعة لا تمثله، فشعب البحرين شعب متعدد ومتنوع الأطياف مذهبيا ودينيا وإثنيا، وشعب مدني باتجاهه لا يقبل أن تحده أو تقيده سلطات دينية على الرغم من أنه شعب متدين محافظ بطبعه، إنما أبى مشروع الشرق الأوسط الجديد أن تكون للشعوب إرادة حرة، بل لا بد من مجموعة محددة يتم التعامل معها وتفرض على بقية أطياف الشعب.. كما أريد لـ«الإخوان» أن يفرضوا قسرا على الشعوب العربية في الشمال الأفريقي، أريد لهذه المجموعة أن تفرض على الشعوب الخليجية، فالتقارير الغربية كلها صيغت على أن شعب البحرين أغلبية شيعية تحكمه أقلية سنية. وبدعم دولي غالبه أميركي منحت جمعية الوفاق شرف تمثيل هذا الشعب، في المحافل الدولية وفي المنظمات وعند صانع القرار الأميركي والأوروبي، واتهم أي صوت ينكر هذا الادعاء بأنه صوت مدفوع من السلطات ولا يمثل وزنا في الشارع البحريني، حتى أتيح وللمرة الأولى منذ 4 سنوات لهذا الشعب أن يقول كلمته لا لمجموعة الوفاق فحسب، إنما للمجتمع الدولي، بأن «الوفاق لا تمثلني»، ويقولها هذه المرة «رقما» بعد أن قررت «الوفاق» مقاطعة الانتخابات وأعلنت أنها ستصفر صناديق الاقتراع على أساس أنها تمثل هذا الشعب وتقود قراره.
وحين أعلن عن بدء العمل بمرسوم الدعوة للانتخابات وفتح الباب رسميا لمن يرغب في ترشيح نفسه أن يعلن عن ذلك، فوجئت «الوفاق» بحجم الشق والخلاف داخل جمعيتها، وقبل أن يقول الشعب كلمته، الرافض لها ولادعائها، فسجل أعضاء من «الوفاق» أسماءهم رسميا مرشحين، هنا علمت الجمعية بأن البساط سحب من تحت أقدامها، فكشرت عن أنيابها وأبرزت وجهها الحقيقي تجاه كوادرها، وبعض منهم من مؤسسي الجمعية الذي اختلفوا في هذا القرار مع جمعيتهم، فسجلوا أسماءهم بصفتهم مرشحين، ولم يبق تهديد وإرهاب وحرق وتعدٍّ على سلامة هذه الكوادر، لم ترتكبه «الوفاق»، فانسحب بعض منهم، وقال بصريح العبارة إنه انسحب خوفا على أبنائه وأحفاده. وحين وجدت «الوفاق» أن حجم المقاومة كبير داخل جمعيتها وأن المرشحين من مؤسسيها زادوا على قدرتها على التحكم، أخرجت ورقة «الجوكر» التي لا تستخدمها إلا مضطرة لأنها تعري حقيقتها، فقدمت فتوى دينية تحرم المشاركة في الترشح وفي الانتخابات حتى جاء يوم الانتخابات، فأخرجت ما في قدراتها من إمكانات إرهابية.
وفي الوقت الذي سادت فيه أجواء احتفالية جميع مناطق البحرين لهذا اليوم الذي استخدمه شعب البحرين للتعبير عن نفسه ولإعلام العالم كله بأن هذه المجموعة لا تمثله، كانت المناطق التي تسيطر عليها «الوفاق» تشتعل حرائق ودخانا وتغلق المحلات فيها (بالبلطجة) ويضطر قاطنو هذه المناطق إلى أن يغادروها سرا ليتمتعوا بحقهم السياسي في اختيار مرشحيهم، حيث لم تخلُ دائرة نيابية في البحرين من مرشحين وصل عددهم لأكثر من 250 مرشحا يتنافسون على 40 مقعدا نيابيا وأكثر من 100 مرشح يتنافسون على 30 مقعدا بلديا، فمنهم من بات خارج المنزل ومنهم من خرج ملثما خائفا مرعوبا، ومنهم من خاف وأغلق على نفسه الباب، وأتاحت مراكز الاقتراع العامة لهم متنفسا للهروب من هذا الجحيم.
غطى الانتخابات البحرينية أكثر من 400 إعلامي، وخرجت معظم البعثات الدبلوماسية الأوروبية من مكاتبها في السفارات تجوب مراكز الاقتراع بحرية تامة، فعلق السفير البريطاني لدى البحرين إيان لينزي بأن الذي يرى أن البحرينيين قاطعوا الانتخابات، «مجنون»، فالإقبال على الانتخابات في البحرين «منقطع النظير»، مشيرا إلى أنها المرة الأولى في حياته التي يرى فيها طوابير كهذه للانتخابات في العالم.
لكم أن تتخيلوا كيف يتلقى شعب البحرين مثل هذه التصريحات بعد جهد 4 سنوات حاول فيها شعب البحرين إقناع الحكومات الأجنبية بأن تلك المجموعة لا تمثله.
أكثر من ذلك، أشاد السفير البريطاني بإجراءات الانتخابات، ووصفها بأنها «شفافة ونزيهة» وبعيدة عن التزوير، وهو واضح من خلال الإجراءات المتبعة في الانتخابات ومدى الوضوح ووجود المراقبين المستقلين. وأشار إلى أن دعوات المقاطعة «غريبة» على من يدعي الديمقراطية، و«يعتبر خسرانا من لم يشارك في الانتخابات، وليس أحد سواه يخسر».
ليس هذا فحسب؛ بل استنكر السفير إيان لينزي أعمال الشغب والتخريب التي تجري في بعض المناطق، والتي تهدف إلى إبعاد الناخبين عن مراكز الاقتراع، مشيرا إلى أن تلك الأعمال تتنافى مع دعوات الديمقراطية، مشددا على أنه على جمعية «الوفاق» المعارضة مراجعة نفسها وقراراتها، كما استنكر الفتاوى التي دعت إلى المقاطعة، مؤكدا أنها تتنافى مع الديمقراطية، وقال: «نحن نسمع من بعض الأشخاص من داخل القرى أن بعض الناس لا تريد التصويت، ولكن ما هو واضح وجلي، أن كثيرا من الأشخاص من داخل القرى يريدون المشاركة في الانتخابات، لكنهم يخافون بسبب التهديدات».
لكم بح صوت الشعب البحريني وهو المتعطش لممارسة حقوقه السياسية والخطو نحو الديمقراطية، لا بنفي تمثيل تلك المجموعة له، بل بإقناع العالم بأن تلك المجموعة لا تؤمن أصلا بالديمقراطية وأنها لا تزيد على مجموعة ثيوقراطية حتى النخاع تأتمر بأمر ولي فقيه مرشد أعلى يفصل بينها وبينه بحر الخليج، وها هي «الوفاق» تثبت على نفسها على مرأى من العالم كله هذه الحقيقة.
من جانبه، وصف نائب رئيس لجنة الدفاع في البرلمان الأوروبي، أفضل خانان، الذي كان يجول مع أعضاء من وفد من الاتحاد البرلماني الأوروبي، الانتخابات البحرينية بـ«المذهلة»، مؤكدا أن طوابير الانتظار «كبيرة جدا» وهي غريبة في بلد بالشرق الأوسط.
وأضاف أن تلك المشاركة الواسعة في الانتخابات البرلمانية البحرينية إنما تدل على وعي الشعب البحريني ورغبته في الديمقراطية بعيدا عن جميع الوسائل التي تستخدم لترهيبهم. وشدد على أن البحرين استطاعت أن تقدم نموذجا ديمقراطيا فريدا في الشرق الأوسط، وقال إن الانتخابات «شفافة» وأبهرته نظرا للإجراءات المتبعة، كما أشار إلى أن الانتخابات في بريطانيا تشهد توافدا لنحو 35 في المائة من المواطنين وحتى انتخابات البرلمان الأوروبي، لذا فإن مشاركة أكثر من 50 في المائة من الناخبين في البحرين أمر مذهل.
وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة برجوي، ميشيل بيلفر، إنه ألف كتابا عن الديمقراطية في الشرق الأوسط، والبحرين كانت ضمن الدول الشرق أوسطية التي وصفها بالديكتاتورية وبالقمعية، إلا أنه سيغير رأيه الآن بعد جولاته على مراكز الاقتراع. وأوضح أن الانتخابات في البحرين شفافة ونزيهة من خلال ما رآه فيها، وأنه دهش من التنظيم الذي تقوم به إحدى دول الشرق الأوسط العربية، وقال إن مقاطعة الوفاق «غباء»، وإنها تقتل نفسها بنفسها، وإن المشاركة الواسعة هي دليل على عدم رغبة الناس في توجهها. والسفيرة الألمانية قالت مثل هذا الكلام. وحده السفير الأميركي من التزم الصمت حتى اللحظة!!
شعب البحرين، تلك الدولة الصغيرة التي أرادت الولايات المتحدة أن تكون مفتاح التغيير في المنطقة، وقف في طوابير يوم 22 نوفمبر الحالي ليحدد ويختار مصيره بنفسه، رافضا أي تدخل دولي في شأنه الداخلي، محبطا مؤامرة لم يخجل مساعد الأمين العام لـ«الوفاق» من أن يصرح بها حين قال عشية الانتخابات: «أي صوت مشارك في الانتخابات يضرنا، فالمجتمع الدولي سيحسب نسبة المشاركة»!!
ملاحظة:
حين شاركت «الوفاق» في انتخابات 2010 كانت نسبة المشاركة 67.5 في المائة، ونزلت بـ18 مرشحا وفازت بهم، وأرسل حينها الأمين العام لهذه الجمعية برقية لرئيس الوزراء يشكره على حسن التنظيم ونزاهة الانتخابات. واليوم حين قاطعت كانت نسبة المشاركة 51.5 في المائة هي رد الشعب البحريني على من يدعي احتكار تمثيله أو يدعي أنه يمثل الأغلبية.