د. شمسان بن عبد الله المناعي
TT

البحرين تنتصر للديمقراطية

أثبت شعب البحرين أنه مع الديمقراطية؛ إذ خرج بكل أطيافه شبابا وشيوخا رجالا ونساء للمشاركة، وكان يوم الانتخاب عرسا للديمقراطية في البحرين، يوم السبت 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، لينضم إلى أيام البحرين الخالدة.
كانت المعركة عنيفة ليس بين المترشحين فقط، وإنما كانت أشد بين الشعب والمقاطعة المدعومة من الخارج التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات، كما صرحت بذلك المتحدثة الرسمية باسم الحكومة، سميرة رجب، عندما قالت إن «النسبة المرتفعة للمشاركة في الانتخابات، أكبر إثبات على رفض الشعب البحريني لجميع الدعوات المتطرفة بالمقاطعة، سواء التي صدرت من جمعية الوفاق الإسلامية أو (داعش)»، كل مواطن كان يهمه بالدرجة الأولى ليس من يفوز، وإنما كان يهمه أن يشارك في التصويت؛ حيث بلغت نسبة التصويت أعلى نسبة من الأعوام السابقة، ومنذ أن أخذت البحرين بالنهج الديمقراطي؛ إذ بلغت 52.6 في المجلس النيابي، و59.1 في المجلس البلدي، بعد الإقبال الكبير الذي شهدته اللجان الانتخابية ردا على الهجمة التي تعرضت لها البحرين من قبل جماعات الطابور الخامس الذي يسمي نفسه «المعارضة» التي استعانت بالأجنبي لوأد الديمقراطية التي أصبحت هي الرهان الذي يراهن عليه شعب البحرين لمستقبله.
لم تنجح عملية التحريض الذي قامت به الخلايا النائمة لـ«حزب الله» وجمعية الوفاق لمنع الجمهور من الذهاب لصناديق الاقتراع، وكانت الصدمة لهم في الإقبال الكبير على هذه الانتخابات 2014، وعكست عملية سير الانتخابات نضج الوعي الديمقراطي عند الناخبين، فكانت طوابير المقبلين على الانتخابات منذ الصباح الباكر، وسارت عملية الانتخاب بنظام دقيق الذي هو ليس بغريب على شعب البحرين.
من المعروف أن شعب البحرين يمتلك من الوعي السياسي والحس الوطني ما يؤهله لكي يحقق المجتمع المدني، ويرتقي إلى مصاف الأمم المتقدمة، فهو من جهة خاض غمار الانتخابات في الجولة الأولى بنجاح، ومن جهة أخرى فوّت على المتربصين بالوطن نواياهم السيئة في شق الصف الوطني، والذين ما زالوا في غيهم يعمهون، خدعتهم المنظمات التي تدعي الدفاع عن حقوق الإنسان، وغذت عقولهم بهتانا وزورا وغشيتهم الفضائيات المشبوهة، فظنوا أن الديمقراطية ستتعثر في البحرين، وتنجح المحاولة الثانية.
لقد قلنا لهم أكثر من مرة قبل تنفيذ مخططاتهم، إنكم تتعاملون مع شعب حرية الوطن عنده خط أحمر، ولكنهم لم يصدقونا، ولو صدقونا لكانوا قد وفروا علينا وعليهم الجهد والوقت.
لقد ولى زمن الصمت وتنبهت العقول لما يحاك لها من مؤامرات، إن آخر محاولة قمتم بها من خلال الزج بالشباب، وتم في يوم الانتخابات القيام ببعض من عمليات العنف والتخريب في بعض المراكز الانتخابية، ولكنها كانت محاولة في غاية الغباء وهي دلالة على فشل المخططات، وأنها وصلت إلى مرحلة اليأس. ورغم كل ذلك نقول إن أبواب العودة للصواب ما زالت مفتوحة لكم للعودة إلى وطنكم الذي أعطاكم من دون حساب وعاملكم بنوايا حسنة كانت تصدر من أعلى المستويات، ومن قائد هذا الوطن شخصيا، ذلك القائد الذي يعفو ويصفح بسعة صدر، ولكن لكل شيء نهاية وحدودا.
إن شعب البحرين الوفي غفر لكم سنوات طويلة ولاذ بالصمت، ولم يكن هذا الصمت جهلا بالأمور، ولكن صمت العقلاء يغلب المصلحة العامة على الخاصة، ومن جهتكم أدمنتم على التحريض وإعمال التخريب وتقولون: إنها سلمية، وأنتم تحرقون بيوت وسيارات المترشحين للانتخابات.
لقد كان الإقبال الكبير على عملية الاقتراع هو النجاح الحقيقي لشعب البحرين.
لقد رجعت إلى نصوص وروايات الدين الإسلامي وهي كثيرة، التي وردت ضمن سياق العمل من أجل إيجاد مجتمع سوي التفكير، مشاعره مروّضة وليست مستثارة، لنجد أن روح ثقافة الإسلام والمسلمين الأوائل، الذين تربوا على يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والعارفين المخلصين من التلامذة الذين التزموا نهج الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقد عاشوا بهذه النفسية والأخلاق العظيمة.
الإمام علي (كرّم الله وجهه) كان عندما يواجه ثقافة التحريض، يتعامل حتى مع مناوئيه بروح بعيدة عن الإثارة والترهيب، كان يرفض هذا المنطق التحريضي، وتلك الثقافة النابعة من ضيق الأفق.
لقد كان ضد التحريض على الكراهية، وحينما سمع بعض أصحابه يسبون قوما، قال لهم: «إِنّي أَكْرَهُ لَكُمْ أَنْ تَكُونُوا سَبّابِينَ وَلَكِنّكُمْ لَوْ وَصَفْتُمْ أَعْمَالَهُمْ وَذَكَرْتُمْ حَالَهُمْ كَانَ أَصْوَبَ فِي الْقَوْلِ وَأَبلغ فِي الْعُذْرِ وَقُلْتُمْ مَكَانَ سَبِّكُمْ إِيّاهُمْ: اللّهُمّ احْقِنْ دِمَاءَنَا وَدِمَاءَهُمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا وَبَيْنِهِمْ وَأهْدِهِمْ مِنْ ضَلَالتهِمْ حَتّى يَعْرِفَ الْحَقّ مَنْ جَهِلَهُ».
لقد تميزت النتائج باكتساح التكنوقراطيين للمجلس، وتراجع الجماعات السياسية بما فيها الإسلامية، وذلك لأن المجلس السابق خيب آمال المواطن البحريني في الأعوام السابقة لأسباب عدة، منها: الاستياء من أداء نوابهم، وكانوا يعملون على كسب أصوات الناخبين بأساليب لا تليق بكرامة شعب البحرين عن طريق شراء أصواتهم تحت يافطة كتب عليها «العمل الخيري»، وكذلك كان للموقف الإقليمي العربي تأثير على إخفاق بعض الجمعيات الإسلامية.
مرحلة جديدة للديمقراطية بدأت في البحرين والمراهنة تبقى في النهاية على أداء المجلس القادم، فهل تؤتي العملية الديمقراطية ثمارها لشعب البحرين أم تبقى على حالها؟