سمير عطا الله
كاتب عربي من لبنان، بدأ العمل في جريدة «النهار»، ويكتب عموده اليومي في صحيفة «الشرق الأوسط» منذ 1987. أمضى نحو أربعة عقود في باريس ولندن وأميركا الشمالية. له مؤلفات في الرواية والتاريخ والسفر؛ منها «قافلة الحبر» و«جنرالات الشرق» و«يمنى» و«ليلة رأس السنة في جزيرة دوس سانتوس».
TT

«سقف واطي يعني تنحني»

كان مصطفى أمين يغار على الصحافة كأنها ابنته. وكان يعتقد أن على كل من يريد أن يؤسس صحيفة أن يبدأ كما بدأ هو وتوأمه علي، أو كما بدأت فاطمة اليوسف «روز اليوسف». التوأمان كان رأسمالهما 9 جنيهات، والمهاجرة اللبنانية كان رأسمالها خمسة.
كان مصطفى يعتقد أن الشرط الأول لاستمرار الصحافة هو الحرية. وقال لعادل حمودة وفايزة سعد: «في عهود الاستعباد السقف واطي. مافيش رأي، يعني ما تقدرش تنمو. ولكي تعيش تحت هذا السقف الواطي يا إمّا تحني رأسك، يا إمّا تركع. يا إمّا تسجد، يا إمّا تزحف على بطنك. إنما في الهواء الطلق تستطيع أن تنمو وتِطوَل زي ما انت عاوز. بدليل أنه بعد ثورة 1919 قام جيل من العمالقة في مصر في الصحافة. العقاد، طه حسين، عبد القادر حمزة، حافظ عوض، أحمد أمين، مصطفى لطفي المنفلوطي، فكري أباظة، وأحمد حسن الزيات، ومئات غيرهم. وفي الفن: سيد درويش، أم كلثوم، عبد الوهاب، نجيب الريحاني، ويوسف وهبي. وفي الاقتصاد، طلعت حرب».
يعترض حمودة: «ولكن ماذا عن أحمد بهاء الدين ومحمد حسنين هيكل وموسى صبري؟». يقول مصطفى أمين: «هؤلاء كانوا موجودين قبل ثورة 23 يوليو (تموز). معها اختفت الحرية ولم يعد يظهر أحد من الكبار»! عندما أجريت المقابلة كان عدد سكان مصر 40 مليونا. فيتساءل مؤسس «أخبار اليوم»: «معقول بلد هذا عدد سكانه مافيش فيه غير 3 جرائد؟ وهل معقول أنه في 1928 بعد أول دستور نيابي كان في القاهرة وحدها 12 جريدة يومية و26 مجلة أسبوعية، وفي الإسكندرية 8 جرائد يومية، وجريدتان في المنيا، وجريدة في طنطا، وجريدة في الزقازيق، وجريدة في دمياط؟».
قال في سخرية: «تدخُّل الحكومة أفسد كثيرا من الأشياء. من القماش المصري الذي كان يغزو أميركا وأوروبا وله شهرته وسمعته، إلى السجائر والأحذية والموبيليا. ما حدث للقماش والسجائر والأحذية حدث أيضا للصحافة». تحسر مصطفى على أيام «كانت الصحافة هي الفرخة التي تبيض ذهبا للشعب المصري. هي القوة الضاربة في الشرق الأوسط». وكم كان دقيقا هذا الوصف. إن تسمية الصحافة «بالسلطة الرابعة» في بلاد بلا حرِّيات هي نوع من الخفّة المكشوفة. لكن الصحافة في مرحلة ما كانت جزءا من صورة مصر، كما كانت «التايمز» جزءا من ألق لندن، و«التايمز» الأخرى جزءا من أهمية نيويورك. كل عاصمة لها صحيفة تزيد في اعتبارها إلى جانب العناصر الأخرى. وعلى الرغم من المنافسات الناجحة لا تزال «الأهرام» عنوان صحافة مصر. ويوم كانت الهند غارقة في الجوع والتخلف كانت «التايمز أوف إنديا» بورقها المتقشف تشع بالإبداع والاحترام.
بعد سنوات السجن أصبح مصطفى أمين ملبدا بالحزن والمرارة. وزادت أحزانه يوم فقد توأمه علي، الذي تشرَّد ما بين بيروت ولندن، غير قادر على أن يأخذ رحلة 50 دقيقة إلى القاهرة.