حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

البقاء لله!

أعلنت شركة البرمجيات التقنية المعلوماتية الحديثة العملاقة التي كانت استحوذت منذ فترة من الزمن على شركة الهواتف الجوالة الفنلندية العملاقة والمعروفة «نوكيا» عن عزمها إلغاء العلامة التجارية «نوكيا» وإسقاطها من على كل المنتجات التي تحمل هذا الاسم الكبير، وبذلك تكون قد طويت صفحة مهمة جدا في تاريخ الأعمال.
يكاد يكون من الصعب جدا تصديق هذا الخبر نظرا للنجاح المبهر الذي كان من نصيب شركة «نوكيا» منذ سنوات قليلة جدا، وهي الشركة التي تمكنت من أن تكون لها حصة أكثر من محترمة من السوق، وصلت في وقت من الأوقات إلى أكثر من 70 في المائة، وهي نسبة أشبه بالأسطورية في ظل منافسة عنيفة ومحمومة للغاية، ولكن «نوكيا» لم تكن مستعدة للهاتف الذكي القادم من «أبل» و«بلاكبيري» ونظام آندرويد الذي تبنته شركة «سامسونغ» وغيرها، وفاتها القطار بسرعة شديدة، وحاولت اللحاق بالركب، ولكن الوقت كان متأخرا جدا، وتوالت الضربات حتى فقدت الشركة قدرتها على المواصلة والاستمرار، وكانت بالتالي فرصة مناسبة للاستحواذ والتملك من الغير، وهذا تماما ما قد كان وحصل.
ما حصل لشركة «نوكيا» بشكل سريع ومذهل يتناسب مع العصر الرقمي الذي نحياه، والذي تتكون فيه قصص النجاح المبهر بسرعة الضوء وتختفي الشركات الناجحة في بعض الأحيان بنفس السرعة المبهرة أيضا. ويذكرنا هذا الانهيار الهائل لهذه الشركة العملاقة بما حدث منذ فترة ليست بالطويلة أبدا مع عملاق آخر في دنيا الأعمال، وهي شركة «كوداك» لإنتاج الأفلام والكاميرات والبصريات.
«كوداك» الشركة الأميركية العملاقة التي ارتبط اسمها بكل ما له علاقة وثيقة بعالم التصوير والصورة من مواد أو آليات لم تعِ أبدا ولا تدرك ولا تستوعب النقلة النوعية الجبارة التي حصلت في عوالم التصوير وانتقاله من التناظري إلى الرقمي وانتهاء عهد «الأفلام» تماما، وهو الذي أدى إلى أن تكون شركة «نوكيا» ذات يوم أكبر مصنع لآلات الكاميرا، حيث إن أجهزتها الهاتفية الجوالة كانت فيها كاميرا، وبالتالي تحولت تلقائيا إلى أكبر مصنع للكاميرات.
لم تتنبه «كوداك» إلى أن نموذج الأعمال الذي قامت عليه ذات يوم انتهت صلاحيته تماما وأصبح غير قابل للاستمرار وبالتالي ولا البقاء؛ سقطت «كوداك» وأشهرت إفلاسها وطلبت الحماية بشكل رسمي وعاجل من الدائنين.
كذلك لحقت بركب الكثير من الشركات الكبرى التي واجهت نفس المصير، شركات في مجالات شتى لم تستطع المقاومة ولا الاستمرار؛ فإما تم ابتلاعها عن طريق منافس أكبر، وإما تم إفلاسها وإغلاقها.
اليوم، هناك حديث متزايد عن ترنح اسم عملاق آخر، يمر بظروف هائلة ونتائجه المالية تتوالى مخيبة للآمال وباعثة للقلق، والحديث هو عن شركة «سوني» تلك الشركة التي كانت مع «تويوتا» و«هوندا» وغيرهما وتعتبر من أيقونات ومصادر فخر واعتزاز الصناعات اليابانية لبلاد الشمس المشرقة.
«سوني» فشلت بشكل مذهل وذريع في مجال الهواتف الجوالة التي تصنعها، ونفس الفشل المعيب طالها أيضا في مجال تصنيع أجهزة الكومبيوتر المحمول الذي تقلص حجم مبيعاته بالعموم بسبب انتشار الهواتف الجوالة الذكية التي باتت تقدم حلولا مهمة جعلت استخدام الكومبيوتر المحمول بديلا غير مقنع في الكثير من الأحيان.
وطبعا، لم يعد سرا ولا خافيا تقلص حصة «سوني» في عالم الأجهزة الإلكترونية التي كانت يوما تتربع على قمتها، ولكن بقوة الإنتاج الكوري المقدم من العملاقين «سامسونغ» و«إل جي» تراجعت «سوني» بشدة في هذا المجال لتكون حصتها أشبه بالوجود الرمزي، ولم يبقَ لها حقيقة إلا مجال أجهزة الألعاب الترفيهية المعروفة باسم «بلاي ستيشن» التي لها فيها حصة قوية ومؤثرة، ولكنها تواجه منافسة شرسة من «مايكروسوفت» المنتجة للإكس بوكس وننتندو التي لديها أجهزتها.
حتما «سوني» التي تحولت إلى شركة تعتمد على جهاز واحد فقط لن تستطيع الصمود طويلا، وبالتالي قد نشهد نهاية حقبة جميلة من التاريخ الناجح قريبا جدا. آكيو موريتا، مؤسس «سوني»، الرجل الأسطورة في تاريخ الأعمال الياباني رحل قبل أن يرى بنفسه شركته التي أسسها براديو وترانستور صغير تستعد لأن تدفن.