علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

مصر جديدة هذه المرة

أشد ما كان يحزنني هو أن المصريين نجحوا في تغيير النظام غير أنهم عجزوا عن تغيير ما بأنفسهم وظلوا يواجهون تحديات العصر بنفس البطء والكسل القديم. ولكنهم هذه المرة وبعد ضربة الإرهاب الأخيرة في سيناء، يبدو أنهم بالفعل تمكنوا من تغيير ما بأنفسهم واكتسبوا في العمل إيقاعات لم أكن لأتصور أنهم قادرون عليها. كما اكتسبوا أسلوبا جديدا في العمل أبتهل إلى الله أن يحافظوا عليه، وهو الاهتمام بأداء الفعل نفسه وليس بالإعلان الممجوج عنه. في 48 ساعة فقط وبعيدا عن الطنطنة، كان القرار قد اتخذ بنقل سكان رفح المصرية بعيدا عن الحدود بخمسمائة متر، ثم بدأ التنفيذ على الفور. في ذات الوقت كانت المحافظة تعرض على أهل رفح عدة خيارات مقابل تركهم لمنازلهم؛ أن يحصلوا على تعويض مناسب أو مسكن يخصم ثمنه من مبلغ التعويض، أو يحصلوا على قطعة أرض ومبلغ من المال للبناء فوقها بالإضافة لمبلغ يصرف لهم فورا ليستأجروا مساكن في الشهور الثلاثة المقبلة. أما الجديد فهو أن أصحاب المساكن التي يوجد فيها الأنفاق سوف يحرمون من التعويض.
هذا أسلوب جديد في الإدارة المصرية يقدم للمواطن العدل والحق والاهتمام. كان الأسلوب الذي تعودنا عليه لسنوات طويلة هو.. تحملوا من أجل الوطن، ستنتقلون إلى محافظة الوادي الجديد.. أهي دي صحرا والتانية صحرا، واللي مش عاجبه يروح يضرب دماغه في الحيط.
ربما تتصور أن ما طرأ على إيقاعات الشعب المصري، حدث في القوات المسلحة فقط. غير أني أؤمن أن الجيوش هي قاطرة المجتمعات التي تشدهم إلى الأمام، يصدق هذا الكلام أيضا حتى على الولايات المتحدة. فكلنا نعرف أن الأبحاث العلمية تطرح ثمارها في البداية على فروع القوات المسلحة ومعاملها ثم تأخذ طريقها بعد ذلك إلى الأسواق.
كما أستطيع القول بأن ما يحدث في مصر ليس منعزلا عما يحدث في المنطقة. يبدو أن اللاوعي الجمعي في المنطقة العربية كلها قد اتخذ منحى جديدا هو سرعة الإيقاعات والاستعداد الكامل في مواجهة تحديات الإرهاب بقوة وحسم. فبعد نحو أسبوعين من ضبابية الموقف في عين العرب (كوباني) وإعلان أميركا أنها ما زالت تخشى سقوطها في قبضة الإرهاب، بدأ المقاتلون الأكراد والسوريون والعراقيون في القدوم لحماية البلدة. هذه البلدة لم تعد مكانا فقط بل هي رمز يشير إلى مستقبل هذه المنطقة. لا حد لما سنشعر به من فرحة عندما نقضي على «داعش» في عين العرب.
وفي لبنان انتصر الجيش اللبناني بسرعة لم نتوقعها على الإرهابيين في حرب شوارع شرسة في طرابلس كانت مرشحة لأن تستغرق شهورا. أما في تونس فقد جاءت البشارة؛ اختارت الناس حزبا جديدا وأعطته أصواتا أكثر مما حصل عليه حزب النهضة علما بأن هذا الحزب هو أكثر الأحزاب الدينية في المنطقة قربا من العقل والعلمانية، هذه النتيجة تشير بوضوح إلى أن سكان هذه المنطقة ليسوا في حاجة للأحزاب الدينية، ليسوا في حاجة لمن يساعدهم على دخول الجنة بل يطلبون حكومات تساعدهم على صنع جنتهم على الأرض. أعتقد أن هذا هو ما جعل الأستاذ عبد الرحمن الراشد يطلب بالأمس تحريم إنشاء الأحزاب الدينية والوطنية أيضا.