د. آمال موسى
أستاذة جامعية مختصة في علم الاجتماع، وشاعرة في رصيدها سبع مجموعات شعرية، ومتحصلة على جوائز مرموقة عدة. كما أن لها إصدارات في البحث الاجتماعي حول سوسيولوجيا الدين والتدين وظاهرة الإسلام السياسي. وهي حالياً تشغل منصب وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن في الحكومة التونسية.
TT

«النهضويون» وحركتهم: التضامن أم العقاب؟

قد يرى البعض أن طرح هذا السؤال لا معنى له، باعتبار أن المنطق يقول إن «النهضاوي»، أي المنتمي إلى حركة «النهضة» التونسية، سيصوت آليا لصالح قوائم حركته، وسيكون داعما لها في الانتخابات.
من جهتنا، يبدو لنا أن هذا الأمر ليس آليا ومضمونا بالشكل الذي يمكن أن يُوحي به ظاهر الصورة. فـ«النّهضة» قبل انتخابات المجلس الوطني التأسيسي ليست نفسها «النّهضة» اليوم، وقد أثر ما مرت به من هزات وتغييرات ومخاض بأشكال مختلفة على مواقف قاعدتها الشعبية.
كما أن الأحداث التي عاشتها الحركة لا نعتقد أنها ستكون دون تكلفة، خصوصا أن هذه الأحداث مست أهم خصائص حركة النّهضة وأبرز نقاط قوتها، ونعني بذلك مبدأ الانضباط الحزبي داخل الحركة والالتزام بقرارات القيادة. وهو ما يفيد بأن الانضباط في مرحلة النضال المحض لم يعد نفسه في مرحلة المشاركة السياسية للحركة ودخول طور ضغط السياسي على الديني وإكراهات المشاركة السياسية وتأثير ذلك على مضمون مشروع حركة «النهضة» للتغيير الاجتماعي، الذي قامت من أجله منذ الستينات من القرن الماضي.
وفي هذا السياق، يكفي أن نضرب مثالا يتصل بما بدأ يدب داخل الحركة من انشقاق وخلافات، وذلك بالإشارة إلى استقالة رئيس المؤتمر التّاسع لحركة النهضة، الذي انعقد في صائفة 2012، وكيف أنه تجاوز الاستقالة إلى تأسس حزب جديد وأصبح لا يتوانى عن مهاجمة حركة النهضة.
أيضا هناك معطى آخر جدير بالانتباه يتمثل في انسلاخ عدد من المنتمين إلى حركة النّهضة، وإيثار انضمامهم إلى حزب التحرير وحزب الإصلاح. وما يمكن أن نفهمه هو أن تخلي حركة النهضة عن طابعها الراديكالي كحركة إسلامية سياسية قد جعلها تفقد على الأقل بعضا من قاعدتها الشعبيّة.
وتأكيدا لهذه الملاحظة نذكر اختيار قيادات الحركة تأجيل المؤتمر العاشر لحركة النهضة إلى ما بعد الانتخابات لأن الجميع داخل الحركة كان يتوقع محاسبة قوية وقاسية من القاعدة الشعبية للرموز الأماميّة.
كما أن الحركة كانت ستخسر الكثير لو أنها عقدت مؤتمرها العاشر في موعده، لأن من مهام هذا المؤتمر مناقشة قرار خطير يتعلق بفك الارتباط بين الدعوي والسياسي في الحركة. ولأن عقلاء الحركة رجحوا أن تصويت المنتمين يمكن أن يكون لصالح الفصل بين الدعوي والسياسي، فإنهم آثروا تأجيل سيناريو الوقوع في مواقف تُحرج قادة الحركة أمام مكونات المشهد السياسي في تونس.
يبدو لنا أن موقف القاعدة الشعبيّة لحركة «النهضة» ليس واضحا كما هو الحال في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في 23 أكتوبر (تشرين الأول) 2011. ذلك أن ما عرفته مواقف حركة النّهضة من تغير خلال السنة الأخيرة تحديدا قد شكل صدمة للكثير من المنتمين إليها، خصوصا تصويت كتلة حركة «النّهضة» في المجلس الوطني التأسيسي ضد قانون العزل السياسي، وهو موقف قد مثل نقطة حاسمة ومنعرجا حقيقيا، وفتح الباب على مصراعيه لعودة الدستوريين والتجمعيين للحياة السياسية، وذلك حسب قراءة «النهضويين» المعارضين لإسقاط قانون العزل السياسي. في حين أن حركة «النهضة» اضطرت إلى أخذ مثل هذا الموقف لكسب القوى الخارجية من جهة، ولأن حركة «نداء تونس» التي كانت ترفضها في البداية أصبحت قوة في المشهد السياسي التونسي وتتصدر استطلاعات الرأي من جهة ثانية.
والأنكى من كل هذا أنه في إطار حرص الحركة على سد الطرق أمام خصومها ومن تراهم يعملون على تصفيتها سياسيا، تبنى رموزها، خصوصا الأكثر ظهورا في وسائل الإعلام، خطابا توافقيا وتفاعليا، بلغ حد التصريح العلني في وسائل الإعلام المكتوبة باستعداد قيادات «النهضة» للتعامل مع وزراء بن علي!
هذا التكتيك الذي مارسته حركة النهضة ليس محل إجماع داخل الحركة، إضافة إلى ما يعتبره راديكاليوها «تنازلات غير مقبولة» تضمنها الدستور الجديد، تتعارض مع مبادئ الحركة الأولية.
إذن المنحى الواقعي لقيادة حركة النهضة ومحاولتها سحب البساط من تحت الخصوم والحرص على البقاء في المشهد السياسي كرقم سياسي فاعل.. كل هذا وإن كان قد ساعد الحركة على مواصلة الوجود رغم ما يعيشه الإسلام السياسي عموما في اللحظة الرّاهنة من تأزم، فإن هذه الأسباب نفسها جعلتها تشهد انشقاقات في الداخل وكانت وراء خروج البعض من المنتمين إليها وتفضيلهم الانضمام إلى أحزاب تُشبع تصورهم الراديكالي للمجتمع الإسلامي.
طبعا إلى جانب هذه الفرضية التي تبدو لنا قوية، فإن التفاف «النهضويين» حول حركتهم فرضية مضادة لا تنقصها القوة، باعتبار تلاحم مصير الحركة مع مصير قاعدتها.
لذلك، فإن موعد الانتخابات التشريعية مناسبة ليست فقط لاختبار مدى استمرارية شعبية حركة «النهضة» لدى فئة من الشعب التونسي، بل وأيضا لقياس مدى انضباط قواعدها وتفهمهم لدواعي اعتماد الواقعية والقبول بالشروط التونسية للمشاركة السياسية.
يوم الأحد المقبل تُجرى الانتخابات التشريعية في تونس، ونتائجها فقط ستحمل لنا الأجوبة.