تأخذ السلطات الفرنسية على محمل الجد التهديدات الصادرة عن «داعش» المتضمنة في شريط فيديو باللغتين الفرنسية والعربية، يظهر فيه شاب في الـ30 من العمر متوجها إلى «كل مسلمي فرنسا»، وداعيا إياهم لمعاقبة هذا البلد، ومعه التحالف الدولي، بسبب الحملات الجوية التي يشنونها على مقاتلي «داعش». ويحمل الشريط الذي وضع على الإنترنت منتصف الأسبوع، الحامل اسم «رسالة المجاهد - 3» إلى الفرنسيين تهديدات بأنهم «سيتلقون ضربات واغتيالات بقدر ما أسقطت فرنسا من قنابل في بلاد العراق والشام».
ويتوعد المتحدث بتكرار ما قام «الأخ محمد مراح»، وهو مواطن فرنسي - جزائري قُتل في ربيع عام 2012 في مواجهة مع الشرطة، بعد أن كان قد اغتال 3 عسكريين و3 أحداث ومعلمهم في مدرسة يهودية في مدينة تولوز (جنوب فرنسا). ويستطرد المتحدث: «لقد أخافكم أحد إخوتنا، وسيكون مثله آلاف وآلاف في المستقبل، وسننتقم لكل الإخوة الذين قتلتموهم.. أنتم تعتقدون أنكم في مأمن في فرنسا وخارجها، ولكن سندعو كل الإخوة الذين يعيشون في فرنسا ليقتلوا أي مدني، ولذا لن تكونوا أبدا في مأمن وستندمون (على ما فعلتموه)».
وتأتي هذه التهديدات الجديدة بينما وافق مجلس الشيوخ الفرنسي، بعد مجلس النواب، على مشروع قرار تقدمت به وزارة الداخلية، وغرضه منع الفرنسيين أو المقيمين على الأراضي الفرنسية من الالتحاق بالجهاديين في سوريا والعراق، وكذلك تخويل الوزارة إغلاق أي مواقع على الإنترنت تقوم بالترويج للجهاد أو للإرهاب. وقال وزير الداخلية برنار كازنوف إن مشروع القانون «يوفر لنا الأسلحة التي ستمكننا من محاربة من يستهدف ديمقراطياتنا، والقيم التي تحملها، ومنعه من ذلك».
وينص القانون الجديد على إيجاد جنحة جديدة، هي «تشكيل خلية إرهابية فردية». والغرض من ذلك تمكين الأجهزة الأمنية من ملاحقة ما يُسمى بـ«الخلايا النائمة». كذلك سيمكن القانون الجديد السلطات من منع أي شخص تحوم حوله الشبهات من الدخول إلى الأراضي الفرنسية، أو لأنه يمكن أن يشكل تهديدا للأمن في فرنسا.
الواقع أن الجدية التي تتعامل بها السلطات الفرنسية مع التهديدات الجديدة سببها أن باريس خبرت نوعية النتائج التي يمكن أن تترتب عليها؛ ففي سبتمبر (أيلول) الماضي، أصدرت «داعش»، على لسان الناطق باسمها أبو محمد العدناني فتوى تستبيح دم مواطني بلدان التحالف الدولي. وبعد وقت قليل، خطف المواطن الفرنسي هيرفيه غورديل في منطقة القبائل في الجزائر، وأعدم بعد أقل من 48 ساعة على أيدي «جند الخلافة» التي بايعت «داعش».
وتسعى باريس لبلورة استراتيجية متكاملة من أجل محاربة الإرهاب عبر طريقتين متكاملتين: الأولى تكمن في توفير الأدوات القانونية للحكومة لمنع الفرنسيين والمقيمين على الأراضي الفرنسية من التوجه إلى سوريا. والثانية توقيف العائدين منها الذين يكونون قد التحقوا بمنظمات إرهابية، مثل «داعش».
والتخوف الفرنسي أن تتكرر تجربة مهدي نموش، وهو مواطن فرنسي من أصل جزائري قام، لدى عودته من سوريا، حيث انضم إلى صفوف «داعش»، باعتداء على المتحف اليهودي في بروكسل، وقُبض عليه مصادفة لدى وصوله بالحافلة إلى مدينة مرسيليا مقبلا من أمستردام. بموازاة ذلك، تريد باريس توثيق التعاون بين البلدان الأوروبية ولكن أيضا مع تركيا، التي هي الطريق الأرجح للوصول إلى سوريا. وفي الأسابيع الأخيرة، نجحت الأجهزة الفرنسية في استعادة كثير من الفرنسيين الذين كانوا ينتوون التوجه إلى سوريا، وبينهم قاصرون وقاصرات.
وكان هذا الموضوع مدار بحث في اللقاءات التي عقدت مع الوفد التركي عالي المستوى، الذي جاء إلى باريس، نهاية الأسبوع الماضي، في إطار «المشاورات الاستراتيجية» بين الجانبين.
بيد أن التدابير القانونية المشددة التي تتخذها السلطات الفرنسية لا تمنع الراغبين بالالتحاق بتنظيمات جهادية، ومن تنفيذ مخططاتهم.
والدليل على ذلك أن هذه السلطة فُقدت إثر فتاة قاصرة لا يزيد عمرها على 15 عاما منذ العاشر من الشهر الحالي، والمرجح أن تكون قد وصلت إلى تركيا بأوراق مزورة، بعد أن سحبت منها أوراقها الثبوتية. ورغم أن هذه الفتاة التي كانت تعيش في مدينة شرق فرنسا كانت موضع رقابة، فإنها نجحت في ترك منزلها العائلي ومنطقتها، واختفت عن الأنظار. وبحسب المدعية العامة في مدينة مونبليار، فإن المعلومات الجديرة بالثقة تدل على أن هذه الفتاة «ربما كانت على مقربة من الحدود السورية» في تركيا.
وفي سياق مشابه، عمدت أجهزة الأمن في مطار الدار البيضاء، يوم الأربعاء الماضي، إلى القبض على مواطن مغربي مصطحبا ابنتيه (4 أعوام وعامين)، وساعيا للوصول إلى تركيا للالتحاق بـ«داعش». وقد تمكن هذا الرجل من الخروج من فرنسا، رغم أنه كان خاضعا لرقابة قضائية تمنعه مبدئيا من الخروج.
إزاء هذا الواقع، تعمل السلطات الفرنسية على تفعيل جميع الأجهزة الأمنية العاملة في مجال مكافحة الإرهاب، وهمها الأكبر ألا تتكرر حالات محمد مراح أو مهدي نموشي، إذ إنها ترى في عودة الجهاديين من سوريا والعراق الذين يكونون قد تلقوا تدريبات عسكرية وأخرى على استعمال المتفجرات، الخطر الأكبر الواجبة مواجهته بجميع الوسائل المتاحة.
باريس : {الشيوخ} يصادق على مشروع جديد لمحاربة الإرهاب
مخاوف فرنسية من تكرار تجربة مهدي نموشي أو محمد مراح
باريس : {الشيوخ} يصادق على مشروع جديد لمحاربة الإرهاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة