«دراكولا غير المروي».. بعد جديد للوحش ينبع من قديمه

يعود متحدثا عن صراع إسلامي ـ مسيحي عمره 5 قرون

كريستوفر لي كما أدى الشخصية في أحد أفلامه
كريستوفر لي كما أدى الشخصية في أحد أفلامه
TT

«دراكولا غير المروي».. بعد جديد للوحش ينبع من قديمه

كريستوفر لي كما أدى الشخصية في أحد أفلامه
كريستوفر لي كما أدى الشخصية في أحد أفلامه

«دراكولا غير المروي» (Dracula Untold) يبحث في جوانب قليل من الأفلام التي دارت حول هذه الشخصية المرعبة والتي تطرقت لها من قبل: ما فعل العثمانيون خلال غزوهم للجوار الأوروبي في القرن الخامس عشر مما دفع الأمير «فلاد» (Vlad) للانتقام المريع والاستعانة بالقوى الغيبية لمنحه القدرة على مواجهة هذا العدو دفاعا عن البلاد وقوميتها وهويتها الدينية.
«دراكولا غير المروي» هو فيلم جديد بوشر عرضه منذ أيام في لبنان والكويت والأردن والإمارات وعدد كبير من الدول الأوروبية، ومن هذا اليوم في الولايات المتحدة وباقي أنحاء العالم. عدد الأفلام التي تم تحقيقها عن هذه الأسطورة يزيد على المائتين. معظمها لم يكترث بتاريخ ما قبل تحول الكونت فلاد إلى مصاص دماء بإسم دراكولا، بل بما قام به مصاص الدماء من سفك دماء الأبرياء استيحاء مما ورد في رواية برام ستوكر الكلاسيكية.
لكن الفيلم الحالي يأخذ الوحش إلى بُعد جديد ينبع من قديمه.. يقرر أنه إذا ما أراد إنجاز رؤية عصرية لحكاية نمت من قبل أكثر من 5 قرون، فإن عليه أن يذهب - تفصيليا- إلى ما لم تذهب إليه الأفلام الأخرى، وهو - كما تقدم - الصراع الذي خاضه الكونت ضد العثمانيين الذين غزوا المجر ورومانيا والدويلات الصغيرة المتناثرة حولهما، وحسب الفيلم ومصادره، سفكوا الدماء كما لم يفعل أحد قبلهم.
انطلاقا، كيف لا يمكن الفيلم، وهو من إنتاج «يونيفرسال» بميزانية بلغت 100 مليون دولار وضعت تحت تصرف مخرج جديد لم يسبق له أن حقق فيلما روائيا طويلا في حياته، اسمه ديفيد شور، أن يتحاشى وضع القتال بين العثمانيين والأوروبيين في إطار الصراع الإسلامي - المسيحي؟
إنه منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ونحن في أوروبا الشرقية. الكونت فلاد تيبيس (يؤديه لوك إيفانز) عاد من حربه ضد الأتراك ليستريح إلى جانب زوجته (سارا غادون) وابنه إنغراس (آرت باركنسون) في إمارته ترانسلفانيا. الأجواء صالحة للسلم والراحة. المعارك توقفت وهناك هدنة قائمة من دون إعلان بين الطرفين.
فجأة ينقلب هذا الوضع: لقد وصل مندوبو السلطة العثمانية وطالبوا فلاد بفدية قدرها ألف ولد ترانسلفاني لاستخدامهم عبيدا. فلاد يرفض. لقد عانى من الوضع ذاته؛ إذ كان أسيرا لدى الأتراك وحمل جسده آثار سياطهم.
في التاريخ الواصل إلينا حول فلاد «الخازوقي» Vlad the Impaler (وسمي كذلك لكثرة ما قتل من الأتراك وثبت رؤوسهم المقطوعة على خوازيق) أن الأتراك طالبوه بفدية مالية قدرها 10 آلاف من عملة ذلك الحين (كانت تسمى دوكاتس) و500 مجند للعمل في خدمة القوات العثمانية. مهما يكن من أمر، فإن سمعة العثمانيين في فتوحاتهم الأوروبية لم يكن معروفا عنها سوى الشدة والبؤس، لذلك ليس هناك كثير من الشك في أنهم قادوا حملاتهم العسكرية بروح الغزاة فارضين الضرائب ومحتلين الربوع الأوروبية القريبة (بلغاريا، ملدوفيا، دول نهر الدانوب الشرقية.. إلخ). لكن في المقابل، لم يعرف عن فلاد أنه كان أقل عنفا. في الواقع ربما كان أكثر تعطشا للدم مما كان عليه أي محارب آخر عبر التاريخ، خصوصا إذا ما صحت الأساطير التي تقول إنه كان يشرب دماء القتلى بعدما أبرم عقدا مع الشيطان، وهذا ما يورده الفيلم الجديد في بعض مشاهده.

شخصيات كلاسيكية

في كل الأحوال، لا يشبه هذا الفيلم أي فيلم آخر عن دراكولا. مشبع بالروايات التاريخية المذكورة وسواها، وهادف في الوقت ذاته لصنع بطل من دراكولا كما لم يفعل أي فيلم سابق.
للإيضاح، فإن دراكولا الثلاثينات مثلا لم تكن سوى حكايات أنتجتها «يونيفرسال» حول ملك الظلام الذي كان يمص دماء ضحاياه فيحولهن أيضا إلى مصاصي دماء. هذا وارد في «دراكولا» لتود براونينغ (1931) و«ابن دراكولا» (روبرت سيودماك، 1943) و«بيت دراكولا» (إريك كينتون، 1945) وسواها.
‫التطور الأكبر لحكايات دراكولا جرى في أواخر الخمسينات عبر شركة بريطانية اسمها «هامر». هذه كانت أسست سنة 1934، وحتى مطلع الخمسينات كانت مجرد شركة إنتاج صغيرة تنتج ما تقدر عليه ماديا، أي شركة إنتاج بحجمها. لكن نجاحاتها التجارية، عبر صنوف مختلفة من الأفلام، كانت ثابتة، وعليه، تحولت إلى شركة بريطانية رئيسة. في عام 1955 وجدت كنزا من ذهب عندما أخذت تنتج أفلام رعب من بطولة شخصيات كلاسيكية مثل «المومياء» و«فرانكنستاين» و- بالطبع - «دراكولا»، كما قام بتمثيله مرارا وتكرارا (وبفاعلية) كريستوفر لي حتى اشتهر بها ولدرجة أثارت غيظه. ‬
هذا جرى بالاتفاق مع الشركة الأميركية «يونيفرسال». لم يكن الاتفاق سهلا، فالحقوق للأولى، لكنه كان مثمرا وناجحا في النهاية. كل عام كان هواة الرعب يتنقلون بين مخلوق الدكتور فرانكنستاين، والوحش البشري دراكولا، وتلك الجثة الفرعونية المتحركة. وإذا لم يكن هذا كافيا، فهناك أفلام رعب بشخصيات أخرى مثل «الزومبيز»، وحكايات المصحات النفسية، و«الدكتور جيكل»، و«مستر هايد» وما جاور كل ذلك من قصص الرعب.
لم تكن تلك الأفلام دموية، ولا داخلتها المؤثرات الخاصة إلى حد ملحوظ (بعض الماكياج السينمائي نعم)، وبالنسبة لدراكولا تحديدا، كان كل ما هو مطلوب منه هو الخروج من تابوته ليلا والتحول إلى وطواط لينقض على الضحية المقبلة (عادة امرأة). هذا مع بعض الترميز الجنسي، علما بأن الكونت دراكولا في الأفلام لم يكن يمارس الجنس مطلقا.
لم تذهب تلك الحكايات للبحث حول الخلفية السياسية وأسباب كره دراكولا للبشر وماضيه ضد العثمانيين. أبعد ما ذكرته هو أن اسمه الحقيقي هو «فلاد» وأنه كان أميرا على بلاد ترانسلفانيا وعمره تجاوز الأربعمائة سنة.
«هامر» توقفت، ولكن «دراكولا» استمر منتقلا إلى جيل جديد من المشاهدين مستعدين لمزيد من المغامرة. هو شخصية تستحق التعاطف، وتتمنى الموت في فيلم حمل اسمه وقام ببطولته جاك بالانس سنة 1974. وهو حكاية شاسعة التراجيديا ومتعددة في أوجه المخاوف، بطلاها كل من غاري أولدمان وأنطوني هوبكنز في فيلم من إخراج فرنسيس فورد كوبولا سنة 1992. وحتى العام الماضي كان هناك «دراكولا» آخر مع جوناثان رايز مايرز جرى إطلاقه في حلقات تلفزيونية. وسينمائيا قامت هوليوود بإنتاج «الخازوقي» ولو أن أحدا لم يكترث. والإيطالي قام بتحقيق «دراكولا 3D» سنة 2012
إذ يأخذ «دراكولا غير المروي» الوحش إلى بعد جديد ينبع من قديمه، وإن ردة الفعل ستكون مثيرة للاهتمام… إذن ما حدثت.

أفضلها جميعا

* عندما لم يحظ المخرج الألماني ف. و. مورناو بحقوق اقتباس رواية «دراكولا» لبرام ستوكر، ابتكر «نوسفيراتو» سنة 1922 الذي هو - بتجريد الأفلام جميعا من كل مزاياها الزمنية - لا يزال أفضلها: حكاية مصاص دماء سينتقل من قصره البعيد إلى صرح المدينة الألمانية للفتك بمن فيها.. شيء قريب مما فعله هتلر بعد 10 سنوات.



8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.