«دراكولا غير المروي» (Dracula Untold) يبحث في جوانب قليل من الأفلام التي دارت حول هذه الشخصية المرعبة والتي تطرقت لها من قبل: ما فعل العثمانيون خلال غزوهم للجوار الأوروبي في القرن الخامس عشر مما دفع الأمير «فلاد» (Vlad) للانتقام المريع والاستعانة بالقوى الغيبية لمنحه القدرة على مواجهة هذا العدو دفاعا عن البلاد وقوميتها وهويتها الدينية.
«دراكولا غير المروي» هو فيلم جديد بوشر عرضه منذ أيام في لبنان والكويت والأردن والإمارات وعدد كبير من الدول الأوروبية، ومن هذا اليوم في الولايات المتحدة وباقي أنحاء العالم. عدد الأفلام التي تم تحقيقها عن هذه الأسطورة يزيد على المائتين. معظمها لم يكترث بتاريخ ما قبل تحول الكونت فلاد إلى مصاص دماء بإسم دراكولا، بل بما قام به مصاص الدماء من سفك دماء الأبرياء استيحاء مما ورد في رواية برام ستوكر الكلاسيكية.
لكن الفيلم الحالي يأخذ الوحش إلى بُعد جديد ينبع من قديمه.. يقرر أنه إذا ما أراد إنجاز رؤية عصرية لحكاية نمت من قبل أكثر من 5 قرون، فإن عليه أن يذهب - تفصيليا- إلى ما لم تذهب إليه الأفلام الأخرى، وهو - كما تقدم - الصراع الذي خاضه الكونت ضد العثمانيين الذين غزوا المجر ورومانيا والدويلات الصغيرة المتناثرة حولهما، وحسب الفيلم ومصادره، سفكوا الدماء كما لم يفعل أحد قبلهم.
انطلاقا، كيف لا يمكن الفيلم، وهو من إنتاج «يونيفرسال» بميزانية بلغت 100 مليون دولار وضعت تحت تصرف مخرج جديد لم يسبق له أن حقق فيلما روائيا طويلا في حياته، اسمه ديفيد شور، أن يتحاشى وضع القتال بين العثمانيين والأوروبيين في إطار الصراع الإسلامي - المسيحي؟
إنه منتصف القرن الخامس عشر الميلادي ونحن في أوروبا الشرقية. الكونت فلاد تيبيس (يؤديه لوك إيفانز) عاد من حربه ضد الأتراك ليستريح إلى جانب زوجته (سارا غادون) وابنه إنغراس (آرت باركنسون) في إمارته ترانسلفانيا. الأجواء صالحة للسلم والراحة. المعارك توقفت وهناك هدنة قائمة من دون إعلان بين الطرفين.
فجأة ينقلب هذا الوضع: لقد وصل مندوبو السلطة العثمانية وطالبوا فلاد بفدية قدرها ألف ولد ترانسلفاني لاستخدامهم عبيدا. فلاد يرفض. لقد عانى من الوضع ذاته؛ إذ كان أسيرا لدى الأتراك وحمل جسده آثار سياطهم.
في التاريخ الواصل إلينا حول فلاد «الخازوقي» Vlad the Impaler (وسمي كذلك لكثرة ما قتل من الأتراك وثبت رؤوسهم المقطوعة على خوازيق) أن الأتراك طالبوه بفدية مالية قدرها 10 آلاف من عملة ذلك الحين (كانت تسمى دوكاتس) و500 مجند للعمل في خدمة القوات العثمانية. مهما يكن من أمر، فإن سمعة العثمانيين في فتوحاتهم الأوروبية لم يكن معروفا عنها سوى الشدة والبؤس، لذلك ليس هناك كثير من الشك في أنهم قادوا حملاتهم العسكرية بروح الغزاة فارضين الضرائب ومحتلين الربوع الأوروبية القريبة (بلغاريا، ملدوفيا، دول نهر الدانوب الشرقية.. إلخ). لكن في المقابل، لم يعرف عن فلاد أنه كان أقل عنفا. في الواقع ربما كان أكثر تعطشا للدم مما كان عليه أي محارب آخر عبر التاريخ، خصوصا إذا ما صحت الأساطير التي تقول إنه كان يشرب دماء القتلى بعدما أبرم عقدا مع الشيطان، وهذا ما يورده الفيلم الجديد في بعض مشاهده.
شخصيات كلاسيكية
في كل الأحوال، لا يشبه هذا الفيلم أي فيلم آخر عن دراكولا. مشبع بالروايات التاريخية المذكورة وسواها، وهادف في الوقت ذاته لصنع بطل من دراكولا كما لم يفعل أي فيلم سابق.
للإيضاح، فإن دراكولا الثلاثينات مثلا لم تكن سوى حكايات أنتجتها «يونيفرسال» حول ملك الظلام الذي كان يمص دماء ضحاياه فيحولهن أيضا إلى مصاصي دماء. هذا وارد في «دراكولا» لتود براونينغ (1931) و«ابن دراكولا» (روبرت سيودماك، 1943) و«بيت دراكولا» (إريك كينتون، 1945) وسواها.
التطور الأكبر لحكايات دراكولا جرى في أواخر الخمسينات عبر شركة بريطانية اسمها «هامر». هذه كانت أسست سنة 1934، وحتى مطلع الخمسينات كانت مجرد شركة إنتاج صغيرة تنتج ما تقدر عليه ماديا، أي شركة إنتاج بحجمها. لكن نجاحاتها التجارية، عبر صنوف مختلفة من الأفلام، كانت ثابتة، وعليه، تحولت إلى شركة بريطانية رئيسة. في عام 1955 وجدت كنزا من ذهب عندما أخذت تنتج أفلام رعب من بطولة شخصيات كلاسيكية مثل «المومياء» و«فرانكنستاين» و- بالطبع - «دراكولا»، كما قام بتمثيله مرارا وتكرارا (وبفاعلية) كريستوفر لي حتى اشتهر بها ولدرجة أثارت غيظه.
هذا جرى بالاتفاق مع الشركة الأميركية «يونيفرسال». لم يكن الاتفاق سهلا، فالحقوق للأولى، لكنه كان مثمرا وناجحا في النهاية. كل عام كان هواة الرعب يتنقلون بين مخلوق الدكتور فرانكنستاين، والوحش البشري دراكولا، وتلك الجثة الفرعونية المتحركة. وإذا لم يكن هذا كافيا، فهناك أفلام رعب بشخصيات أخرى مثل «الزومبيز»، وحكايات المصحات النفسية، و«الدكتور جيكل»، و«مستر هايد» وما جاور كل ذلك من قصص الرعب.
لم تكن تلك الأفلام دموية، ولا داخلتها المؤثرات الخاصة إلى حد ملحوظ (بعض الماكياج السينمائي نعم)، وبالنسبة لدراكولا تحديدا، كان كل ما هو مطلوب منه هو الخروج من تابوته ليلا والتحول إلى وطواط لينقض على الضحية المقبلة (عادة امرأة). هذا مع بعض الترميز الجنسي، علما بأن الكونت دراكولا في الأفلام لم يكن يمارس الجنس مطلقا.
لم تذهب تلك الحكايات للبحث حول الخلفية السياسية وأسباب كره دراكولا للبشر وماضيه ضد العثمانيين. أبعد ما ذكرته هو أن اسمه الحقيقي هو «فلاد» وأنه كان أميرا على بلاد ترانسلفانيا وعمره تجاوز الأربعمائة سنة.
«هامر» توقفت، ولكن «دراكولا» استمر منتقلا إلى جيل جديد من المشاهدين مستعدين لمزيد من المغامرة. هو شخصية تستحق التعاطف، وتتمنى الموت في فيلم حمل اسمه وقام ببطولته جاك بالانس سنة 1974. وهو حكاية شاسعة التراجيديا ومتعددة في أوجه المخاوف، بطلاها كل من غاري أولدمان وأنطوني هوبكنز في فيلم من إخراج فرنسيس فورد كوبولا سنة 1992. وحتى العام الماضي كان هناك «دراكولا» آخر مع جوناثان رايز مايرز جرى إطلاقه في حلقات تلفزيونية. وسينمائيا قامت هوليوود بإنتاج «الخازوقي» ولو أن أحدا لم يكترث. والإيطالي قام بتحقيق «دراكولا 3D» سنة 2012
إذ يأخذ «دراكولا غير المروي» الوحش إلى بعد جديد ينبع من قديمه، وإن ردة الفعل ستكون مثيرة للاهتمام… إذن ما حدثت.
أفضلها جميعا
* عندما لم يحظ المخرج الألماني ف. و. مورناو بحقوق اقتباس رواية «دراكولا» لبرام ستوكر، ابتكر «نوسفيراتو» سنة 1922 الذي هو - بتجريد الأفلام جميعا من كل مزاياها الزمنية - لا يزال أفضلها: حكاية مصاص دماء سينتقل من قصره البعيد إلى صرح المدينة الألمانية للفتك بمن فيها.. شيء قريب مما فعله هتلر بعد 10 سنوات.