نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

العالم يوحد الفلسطينيين بالإكراه

هل ينجح العالم فيما فشل فيه الفلسطينيون والعرب؟
أطرح هذا السؤال، بعد سلسلة متصلة من الإخفاقات الفلسطينية والعربية، في إنهاء الانقسام الفلسطيني، وبلوغ حد أدنى من الوئام الداخلي على الساحة الفلسطينية، وأرجح أن ينجح العالم وأن يفرض صيغة، إن لم يقبلها الفلسطينيون طوعا، فسيقبلونها بالإكراه.
وعنوان الصيغة هو إعادة إعمار غزة، ومضمونها تأهيل الفلسطينيين موضوعيا لتجنب استخدام السلاح لمصلحة الاتجاه الحتمي نحو تلبية حاجات الناس في غزة. وأولوية الناس جميعا هي إعادة الإعمار، وعما قريب سينعقد مؤتمر عالمي لهذه الغاية، كان الحديث بادئ الأمر أن يعقد المؤتمر في النرويج، إلا أن الجغرافيا والسياسة والنفوذ تضافروا لنقل هذا المؤتمر إلى مصر، وذلك في رسالة بليغة تقول بصريح العبارة إن مصر ليست وسيطا فنيا بين غزة وإسرائيل، بل هي مفتاح كل شيء يتعلق بغزة، حاضرا ومستقبلا.
إن جبهة العالم تشترط توحد الفلسطينيين تحت شرعية معترف بها، كي تبدأ الآليات الفعلية لإعادة الإعمار، بما في ذلك حركة المعابر والرقابة على المواد اللازمة لغزة، والشروع في حديث أكثر جدية عن إنهاء تدريجي للحصار الشامل، وفتح الحديث مجددا في أمر الميناء والمطار، وهذه أمور يراهن العالم على أن يتوحد الفلسطينيون من أجلها، وإن لم يفعلوا فسينتظرهم مصير المليارات الخمسة التي رصدت في مؤتمر شرم الشيخ لإعمار غزة بعد عملية الرصاص المصبوب.
ولقد بدأت بروفة أولية وصغيرة في هذا الاتجاه، من خلال التفاهم الذي تم بين الأمم المتحدة والسلطة الوطنية، بالشروع في إدخال مواد البناء بموافقة إسرائيلية مشروطة برقابة دقيقة تتولاها الأمم المتحدة عبر «الأونروا»، للتأكد من وصول المواد إلى ورشات إعادة الإعمار، وليس إلى إعادة ترميم وتجهيز الأنفاق.
وحركة حماس التي تواجه مأزق سؤال الفلسطينيين حول المزايا المتحققة بعد الحرب القاسية والمدمرة، لا بد أن تجد نفسها مضطرة إلى الموافقة على ما كانت ترفضه من قبل، وإن لم تفعل فإن انفجار الوضع من الداخل في غزة لن يكون مستبعدا، بل هو النتيجة الوحيدة والمنطقية لتأخير إعادة الإعمار.
وحركة حماس - التي ما تزال متشبثة بحكم غزة، وترى في عودة السلطة الوطنية مجرد عودة شكلية، توفر غطاء ساذجا يساعد على فتح الأبواب المغلقة دونها - بدأت تعاني، إضافة إلى كل ما تعانيه، ويلات الحرب... من مسألة الهجرة من غزة إلى أي مكان حتى لو كان قاع البحر، وإذا كانت حماس تحمّل عصابات التهريب مسؤولية نقل المهاجرين، فإنها بذلك تتحدث عن الأداة وتغفل الحديث عن الأسباب، وإذا كان مهما معرفة من يتولى تهريب الناس عبر ما تبقى من أنفاق، أو حتى بعض منافذ البحر الضيقة، فإن ما هو مهم أكثر وضع اليد على الدوافع الحقيقية للهجرة، والأمر هنا لا يحتاج إلى مؤسسات بحثية، وإنما إلى جملة واحدة مفيدة؛ وهي أن نسبة من الفلسطينيين صارت تشعر بأن الغرق في البحر أفضل من مواصلة الحياة في غزة.
إذن.. فإن المأزق الراهن لحماس يدفعها للتكيف مع مطالب العالم بما في ذلك إسرائيل، وما حدث بالأمس بما يوصف بقذيفة «الهاون - الاختبار» التي سقطت على منطقة أشكول، يؤكد بالملموس أن حماس، لن تمتنع فقط عن إطلاق النار بل إنها ستلاحق من لا يمتنع.
ومن هنا إلى أن يعقد مؤتمر شرم الشيخ العتيد، فإن حماس لا بد أن تمر باختبارات متعددة ويتعين عليها أن تنجح فيها، وأصعب هذه الاختبارات حتمية تغيير النظرة إلى السلطة الوطنية الشرعية التي يسمونها سلطة رام الله، وهنا يتعين على حماس أن توازن بين نفوذ موضوعي معقول يوفر لها البقاء والمشاركة واستمرار التطلع إلى بسط سلطة كاملة وعميقة تحت غطاء شفاف اسمه سلطة رام الله.
إن الأمر بحاجة إلى مغالبة الذات والنوازع، ومطلوب من حماس التي ما تزال تمسك بزمام الأمور في غزة، أن تغير الكثير من سياساتها وأجنداتها لمصلحة اندماج حقيقي وعميق مع السلطة الوطنية، التي إن قبلت دور الغطاء فإن العالم لن يسمح به، فما بالك والسلطة في رام الله، وعلى لسان رئيسها محمود عباس، أعلنت بأوضح عبارة أنها لا تقبل إلا أن تكون سلطة حقيقية.
لهذا كله، فإن وحدة الفلسطينيين تحت الحاجة، وتحت الضغط الدولي ستكون واقعيا أكثر نجاعة من الوحدة التي تمت محاولة بلوغها عبر آلاف الساعات دون نتيجة، أو تلك الوحدة التي سعت إليها أطراف كانت ترى في الانقسام الفلسطيني دجاجة تبيض ذهبا لأجنداتهم الخاصة.