رحيل سعيد مرزوق صاحب «أريد حلا» و«المذنبون»

حافظت أفلام المخرج على الزاوية النقدية الاجتماعية

المخرج الراحل سعيد مرزوق  -  فاتن حمامة في مشهد من «أريد حلا»
المخرج الراحل سعيد مرزوق - فاتن حمامة في مشهد من «أريد حلا»
TT

رحيل سعيد مرزوق صاحب «أريد حلا» و«المذنبون»

المخرج الراحل سعيد مرزوق  -  فاتن حمامة في مشهد من «أريد حلا»
المخرج الراحل سعيد مرزوق - فاتن حمامة في مشهد من «أريد حلا»

في العام 1971 حقق مخرج شاب اسمه سعيد مرزوق أول فيلم روائي طويل له وكان عنوانه «زوجتي والكلب» من بطولة سعاد حسني ومحمود مرسي ونور الشريف. هنا سجل ابن الواحدة والثلاثين حينها والذي رحل يوم أول من أمس عن 74 سنة، إطلالته على عالم أحبّـه وأخلص له وبرع فيه.
نستطيع أن نتخيل فتى فقيرا أثاره الفن منذ صغره. فرح عندما رسم وفرح عندما أخذ يعرض رسوماته في جمعيات أهلية. أحب الموسيقى وأقدم على السينما، ذلك الفن الذي يجمع بين كل الفنون الأخرى والذي استهواه كون منزل أسرته كان قريبا من استوديو مصر.
لم يدرس المهنة بل مارسها. سنة 1967 قام بإخراج أغنية تلفزيونية مصوّرة بعنوان «أنشودة» وبعدها أخرج فيلما قصيرا بعنوان «أعداء الحريّـة» في العام التالي. وفي العام 1970 حقق فيلما قصيرا آخر هو «دموع السلام». «الثيمة» التي بنى عليها المخرج مرزوق فيلمه الأول تتعلّـق بالغيرة: في الفيلم محمود مرسي عريس جديد يعود إلى عمله بعد العرس ويستقبل التحيات ويبتسم للتهاني. نور الشريف هو الشاب الصغير الذي لا يزال طري العود لا يعرف الكثير عن الحب لكنه مستعد لأن يكشف دوما عن رغبته في نساء الجميع. هذا يولّـد لدى العريس ظنونا لا يدرك وجودها في داخله إلا من بعد أن يطلب من الشاب، الذي سيغادر المكان عائدا إلى القاهرة، نقل رسالة لزوجته. تنتاب الزوج الشكوك خلال غياب الشاب ولا تهدأ بعد عودته. الظن الماثل في داخله يتحوّل إلى يقين مبني على أفكار مجنونة.
استعان المخرج بأحد أفضل مديري التصوير حينها عبد العزيز فهمي، ولأن المكان الذي تقع فيه الكثير من الأحداث داخلية (منارة) تتطلّـب الأمر علاجا خاصّـا للضوء والظل خصوصا أن مرزوق كان قرر أن يحقق فيلمه بالأبيض والأسود.
فيلم سعيد مرزوق الثاني كان بالألوان ولو أنه بدا كما لو كان بالأبيض والأسود. الاستحسان النقدي والجماهيري للفيلم الأول دفعه على الفور لكتابة قصّـة ثانية (هذه المرّة بالاشتراك مع مصطفى كامل) ولتقديم سعاد حسني ونور الشريف معا للمرّة الثانية تحت إدارته وذلك في فيلم «الخوف» (1972).
إذا كان الفيلم السابق تناول الوحشة العاطفية والشك المؤدي للانهيار، فإن الفيلم الثاني هذا كان عن الانهيار ذاته. بعد انتهاء حرب، 1967 بدأ التصدّي. مصر مهزومة لكنها تحاول الوقوف على قدميها كحال الفتاة النازحة من إحدى مدن السويس إلى القاهرة التي تتعرّف على الصحافي (نور الشريف) صدفة. في وله رائع بالمكان وتصوير آسر (أنجزه هذه المرّة عبد الحليم نصر) حقق المخرج أحد أفضل أفلامه إلى اليوم. إذ يدلف الشابّـان إلى أحد المباني المهجورة ويتبادلان البوح بالمكتوم حول الحياة والمستقبل (مستقبل البلاد ومستقبل أبنائه أيضا) يقصد المخرج تجسيد حالة الخوف التي يشعر بها الجميع في ذلك الحين. عدم الاستقرار والارتهان إلى آمال موعودة بالحياة الأفضل. كذلك: «الخوف» هو عن العيون الراصدة. حارس العمارة (الراحل أحمد أباظة) يكتشف وجود هذين الشخصين في المبنى فيبدأ بملاحقتهما. الفكرة المنجزة هنا هي أنهما كانا سيتمتّـعان بالخلوة (البريئة) لو طلبا إذنه، كونهما لم يفعلا فإن ذلك انتقاص من «سيادته».

* نقد الحكومة
«أريد حلا» بعد ثلاث سنوات كان الوهج التجاري الأكبر لهذا المخرج الفذ. كتبت الصحافية حسن شاه حكاية الزوجة درية التي تتعرّض للإهانة والتعنيف من قِـبل زوجها، والتي لا تملك حقوقا كافية حتى في أبسط حقول الحياة المشتركة. تحمل شكواها إلى المحكمة طالبة الطلاق. هذا الطلب ليس سوى بداية رحلة عويصة تسدل عليها القوانين المرعية الكثير من الحواجز. لكن دريّـة لا تكل ولا تستسلم في الوقت الذي تبدأ فيه ممارسة حياة مستقلّـة إذ تجد عملا يساعدها على الاكتفاء. ما تواجهه بعد ذلك هو شهود زور يأتي بهم الزوج واضعا المحكمة في مأزق القرار.
أدار مرزوق هنا الممثلة فاتن حمامة وحولها لمع رشدي أباظة وليلى طاهر وأمينة رزق. الغاية والمعالجة كانتا مختلفتين عن فيلمي مرزوق السابقين فالموضوع لم يعد رمزيا فقط، بل انفصل عن سرد حكاية شخصيات تعيش في معزل عن الناس: «منارة» بحرية في الفيلم الأول والعمارة المهجورة في الفيلم الثاني. ما بقي هو أن «زوجتي والكلب» كان عن الرجل الذي لن يعرف، على الأرجح، تقدير حبّ زوجته له، والثاني عن اثنين لم يبلغا بعد مرحلة متقدّمة من العلاقة، أما هذا الثالث فكان عما يمكن أن يحدث بعد سنوات من الزواج يكتشف الزوجان فيها أن حياتهما لم تكن أرض العسل والورود التي حلما بها.
من هذا الفيلم الذي حقق له حضورا جماهيريا ونقديا لم ينله من قبل، انتقل إلى عمل آخر لا يقل عنه أهمية في تاريخ السينما المصرية وهو «المذنبون» عن قصّـة الأديب نجيب محفوظ كتب لها السيناريو ممدوح الليثي.
الفيلم، كالرواية، يدور حول جريمة قتل وشركاء. رواية نجيب محفوظ قصدت أن تسرد، في السبعينات، حكاية تتوزّع فيها الاتهامات بتوزّع المشتركين في ذنوب لن يطالها القانون بالضرورة. نعم القاتل واحد، لكن الجميع قتلة على نحو أو آخر. تلك الرواية هي فرصة المؤلـف (ثم المخرج) لتقديم بانوراما من الشخصيات التي ارتكبت في حق المجتمع جرائم تساوي جريمة القتل تلك. هناك رجل السلطة الفاسد، والناظر الذي يغش لينجح بعض تلامذته لقاء المال، والتاجر الذي يحرم الناس من البضائع المدعومة ويبيعها بسعر أعلى للأثرياء ورئيس شركة مقاولات حكومية يرتكب المخالفات، وكل هؤلاء كانوا في حفلة ليليّـة لجانب خطيب الممثلة المقتولة وأحدهم فقط هو الذي أزهق روحها.
لم يعد مهما هنا من (ولو أن ذلك سيُـكتشف بالضرورة) ولا حتى لماذا (خيانة عاطفية)، بل كيف أن هؤلاء جميعا مذنبون وعلى نحو ليس بعيدا عن رواية نجيب محفوظ الأخرى «ثرثرة فوق النيل» التي أخرجها للسينما سنة 1971 المخرج حسين كمال أو عن روايته الأخرى «الكرنك» التي نقلها علي بدرخان إلى الشاشة سنة 1975 أي قبل عام واحد من «المذنبون».

* مباشرة
حافظت أفلام سعيد مرزوق التالية على الزاوية النقدية الاجتماعية، وإن لم تستطع الاحتفاظ دوما بالنوعية الفنية التي مارسها المخرج فيما سبق من أفلام. قدم على التوالي «حكاية وراء كل باب» (عن رواية لتوفيق الحكيم، 1979) و«إنقاذ ما يمكن إنقاذه» (عن سيناريو لمرزوق نفسه، 1985) ثم «أيام الرعب» (قصّـة جمال الغيطاني، 1988) و«المغتصبون» (1991). الحكايات كانت فردية وميلودرامية الوقع هذه المرّة. ليس على نحو خال من الإبداع، لكن على نحو يفتقر إلى دلالات مرزوق المشبعة بالفن. حكاية «أيام الرعب»، مثلا، كانت تدور حول فكرة الخوف من الانتقام حسب تقاليد أهل الصعيد، و«إنقاذ ما يمكن إنقاذه» عن علاقات انتهازية تبقى ضمن نطاق الشخصيات وبالكاد تستطيع أن ترمز لمؤسسات أو مرجعيات. لا شيء عن قانون آن وقت إصلاحه، ولا شيء عن الخوف من العيون الراصدة ولا عن الفساد الإداري المستشري.
لكن هذا الوضع يتغيّـر عندما أخرج مرزوق قصّـة سينمائية كتبها بنفسه وتولى فيصل ندا كتابة السيناريو لها. هناك نداءات من ماضي المخرج الحافل بالنقد في حكاية شاب وخطيبته يخرجان في نزهة فيعترض طريقهما خمسة شبّـان يخطفونهما ويعتدون على الفتاة. كل المستقبل الحافل بالوعود ينهار. وعلى عكس ميزة المخرج في أفضل أعماله السابقة نجد أن الطرح مباشر هنا والمشاعر مطبوخة سلفا ومتوقّـعة.
لم ينقذ الوضع فيلمه التالي «المرأة والساطور» (1997) بطولة نبيلة عبيد، لكن لا ريب أن هذه الأفلام على ما انتابها من تخلي المخرج عن سينما التأمل والترميز، إلى سينما أكثر مباشرة، وبالتالي أكثر اقترابا مما يود الجمهور استنشاقه من معالجات واضحة، تبقى أفضل من الكثير جدا من أفلام تلك الفترة التي حققها آخرون.
في تكوينه الخاص، سجّـل مرزوق حضوره بإلمامه الشامل بشروط الصورة المطلوبة وبالموضوع الذي يثير اهتمامه ومن خلال هذين العنصرين أنجز عددا قليلا نسبيا من الأفلام (14 فيلما) آخرها سنة 2002 (هو «قصاقيص العشاق»). من ذلك التاريخ وإلى وفاته وجد نفسه يعيش في عزلة بعيدا عن ساحاته الفنية. كان اضطر لعملية قطع ساقه بعدما أفسد خلاياها السكّـري، ثم عانى من المرض ورحل وهو على هذا النحو، لكن الرحيل الحقيقي بدأ، كما حال مبدعين آخرين كثيرين، قبل أن يقطف الموت أنفاسه.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.