ألغت شركات الطيران رحلاتها إلى البلدان الأكثر تضررا. وتأخذ أسعار السلع الأساسية في الارتفاع، وتتضاءل الإمدادات الغذائية. ويجري إغلاق النقاط الحدودية، ويعود العمال الأجانب إلى بلادهم، ويتوقع هبوط معدلات النمو القومية.
ينجم عن فيروس الـ«إيبولا» آثار اقتصادية خطيرة على غينيا وليبيريا وسيراليون، هذه الثلاث دول التي تقع غرب أفريقيا هي بالفعل من أقل الدول على مستوى المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية العالمية. ومع تفاقم التبعات المالية والاجتماعية، تفرض هذه البلدان وجيرانها الذين يشعرون بالخوف دوائر متحدة المركز للحجر الصحي، وتعزل أحياء ومناطق وحتى دولا بأكملها.
وحذرت السلطات الطبية الدولية من مثل هذه الممارسات، بحجة أنها ستفاقم المعاناة والحرمان، ولن تفعل سوى القليل لوقف انتشار المرض. ولكن الكثير من الدول الأفريقية مضت في ذلك على أي حال، بإغلاق الحدود ومنع دخول السكان إلى البلدان المتضررة وفرض حظر على شركات الطيران الخاصة بهم من التحليق تجاه تلك البلدان. كما رفضت السنغال السماح للرحلات الجوية الإنسانية التي تحمل الإمدادات اللازمة بشكل عاجل والعاملين في المجال الطبي بالإقلاع من داكار، التي تعد محور غرب أفريقيا، إذ تقصدها وكالات المعونات الدولية. وفرضت جنوب أفريقيا وكينيا، وهما دولتان لهما ثقل اقتصادي في القارة، قيودا على دخول الأشخاص القادمين من المنطقة التي يتفشى فيها فيروس الـ«إيبولا».
وبالنسبة للدول الأكثر تضررا، «فإن عزلها وتشويهها، جعلا من الصعب أن يجري نقل الإمدادات والموظفين والموارد الأخرى» مما يجعل الأمور أكثر سوءا، وفقا لما قاله مدير منظمة الصحة العالمية الإقليمي لأفريقيا، لويس غوميز سامبو في اجتماع بغانا الأسبوع الماضي.
وبالنظر إلى الثلاث دول التي قامت حديثا عقب عقود من الحروب والاضطرابات السياسية، كان التعامل مع فيروس الـ«إيبولا» بمثابة ضربة قاسية.
وقال عمارة كونيه، وزير المالية في ليبيريا، خلال مقابلة أجريت معه: «بعد عقد من الصراع، عزمنا على إعادة الاقتصاد إلى وضعه قبل الحرب». وأضاف: «تفشي الفيروس يعد بمثابة ضربة خطيرة لجميع جهودنا. هذه هي أكبر أزمة نشهدها منذ نهاية الحرب الأهلية».
وتباطأت حركة البضائع نظرا إلى وقوع أقسام من ليبيريا وسيراليون تحت الحجر الصحي وإغلاق حدود السنغال وغينيا. وتعاني الميزانيات الوطنية ضغوط ارتفاع نفقات الرعاية الصحية وانخفاض الإيرادات الحكومية وتضرر الإنتاج الزراعي، خاصة في سيراليون. وتحظر جنوب أفريقيا دخول غير الجنوب أفريقيين الذين ذهبوا إلى البلدان المتضررة، وتفرض كينيا والسنغال تدابير مماثلة.
وقال بوكار تيجاني، الممثل الإقليمي لأفريقيا بمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، في بيان له يوم الثلاثاء: «إن انعدام الأمن الغذائي سيتفاقم خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، نظرا إلى تعرض موسم الحصاد الرئيس الآن لخطر وفرض قيود صارمة على التبادل التجاري وحركة البضائع».
وحذرت الأمم المتحدة هذا الأسبوع من ارتفاع سعر الكسافا، والنشا الأساسي، بنحو 150 في المائة بمونروفيا، عاصمة ليبيريا، في الأسبوع الأول من أغسطس (آب). كما ارتفعت أسعار الأرز والسمك وزيت النخيل وغيرها من المواد الأساسية، وفقا لوزارة المالية في سيراليون.
وزاد الخوف من فيروس الـ«إيبولا» من حالة عدم اليقين، معيدا إلى الأذهان أسوأ فترة من فترات الحروب الأهلية بغرب أفريقيا في التسعينات. وقال روبرت داي، الذي يدير «تروبيكال فارمز»، وهي شركة بريطانية تعمل في تجارة الكاكاو والبن في شرق سيراليون، أي في قلب منطقة تفشي فيروس الـ«إيبولا»: «يعتقد الناس أن هذا سيكون بدرجة السوء نفسها التي تكون عليها الحرب».
وأضاف السيد داي: «قال الموظفون بمكتبي: على الأقل خلال الحرب كنت تعرف متى يأتي المتمردون». وقد اضطر إلى إغلاق الكثير من عملياته وتسريح الكثير من العاملين معه بنحو 90 عاملا.
وخلال 5 أشهر من تفشي الوباء، قال مسؤولو البنك الدولي إنهم لا يزالون يقدرون الأثر الاقتصادي في ضوء تقديرات منظمة الصحة العالمية الجديد التي أشارت إلى وجود 20 ألف حالة محتمل أن تكون مصابة بفيروس «إيبولا».
وتوقع البنك انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في غينيا بما لا يقل عن 1 في المائة. وقال وزير المالية في ليبيريا، إن نفقات الرعاية الصحية ستقتطع من الآن 25 في المائة من ميزانية الحكومة السنوية بسبب فيروس «إيبولا»، بدلا من 8 في المائة. وأرجأت «أرسيلور ميتال»، الشركة التي تدير أحد مشروعات تعدين خام الحديد الكبرى في ليبيريا، توسعها بسبب إخلاء المقاولين نحو 645 موظفا. وفي سيراليون، ضرب الفيروس المنطقة الزراعية الرئيسة بالبلاد، إذ كتبت وزارة المالية هذا الأسبوع عن «الآثار المدمرة الناجمة عن هذا المرض» على اقتصاد البلاد، وتوقعت انخفاضا يقدر بنحو 4 في المائة في النمو.
وحتى الآن، تستند الأدلة في معظمها إلى السرد. ولكن المحللين والاقتصاديين والمسؤولين يتفقون على أن الصدمة جديرة بالملاحظة. وقال رئيس «البنك الأفريقي للتنمية»، دونالد كابيروكا، في بيان له الأسبوع الماضي، إن تبعات الأزمة «مدمرة للغاية». بينما تحدثت وكالة التصنيف الائتماني الدولية (موديز) عن «تداعيات اقتصادية ومالية كبيرة» جراء هذا الوباء المتفشي في جميع أنحاء المنطقة.
وأصدرت وزارة المالية في سيراليون هذا الأسبوع ملخصا مفصلا للآثار الاقتصادية لفيروس الـ«إيبولا»، حيث ستنخفض أعداد المزارعين الذين سيقومون بحصد الكسافا والكاكاو والقهوة في سلة غذاء البلاد. وعزا القرويون إلغاء الحصاد هذا العام إلى موت الكثير من المزارعين، وتوقعت وزارة المالية «خسارة الموسم الزراعي بأكمله». وتنبأت بانخفاض في الإنتاج الزراعي يصل إلى الثلث. وأصبحت طرق السفر، التي اعتادت أن تكون مكتظة بعربات تحمل منتجات، فارغة. ويمنع الجنود وأفراد الشرطة مرور مجموعات صغيرة من التجار المحتشدين عند نقاط التفتيش على طول الطريق الرئيس.
وفي العاصمة فريتاون، لا يقطن إلا القليل من الرعاة الفنادق والمطاعم التي تلبي احتياجات المغتربين الذين يعدون حيويين بالنسبة للاقتصاد. إذ انخفضت معدلات إشغال الفنادق بنسبة 40 في المائة.
وقالت وزارة المالية إن هناك «خفضا» في أحجام أكبر 3 شركات مصنعة في البلاد: مصنع البيرة، وشركة تعبئة، ومصنع إسمنت. وجرى تعليق العمل في مشاريع الطرق الرئيسة بعد إجلاء الموظفين الأجانب المشرفين عليها. وأظهر قطاع تعدين الحديد والماس صورة مختلطة، إذ كان من المتوقع أن تحقق بعض الشركات أهداف إنتاجها، ولكن عمال مناجم الماس لم يأبهوا بذلك، حيث انخفض الإنتاج في القطاع الأخير بنحو 10.4في المائة.
وفي كينيما - المدينة الرئيسة التي يتفشي فيها فيروس «إيبولا» بسيراليون، والتي يقطنها 600 ألف نسمة - لا تزال أسواق البيع مليئة بالسلع والمنتجات، لكن من غير الواضح كمية تدفق تلك المنتجات، التي تعتمد عليها باقي المدن بالبلاد. وقالت وزارة المالية هناك: «نقص في المواد الغذائية الأساسية بالأسواق، خصوصا في المناطق الحضرية».
وقال ديفيد كيلي كومبر، أحد المسؤولين البارزين في المنطقة: «لديك شعور عام بأن الاقتصاد توقف تماما». فقطاع الأخشاب، الذي يعد دعامة أساسية للاقتصاد، توقف بسبب أن الشاحنات لا تتمكن من تحريك الأشجار إلى الخارج بسبب حواجز الطرق. وقال السيد كيلي كومبر، يحتاج المزارعون لقروض بنكية لتوظيف العمالة اللازمة لتنظيف الأراضي حول أشجار الكاكاو، «وبسبب فيروس (إيبولا) لن يعطونا القروض». وأضاف: «هناك جو عام من الخوف».
وقال السيد داي، مدير «تروبيكال فارمز»، إن الوباء وضع أعماله في حالة حرجة، إذ أصبح شراء حبوب الكاكاو والبن شبه مستحيل. وقال في مقابلة أجريت معه بكينيما: «لا يمكننا المجازفة بإرسال الموظفين إلى الأدغال» لشراء الحبوب من نطاق ضيق من المزارعين، حيث توفي الكثير منهم على أي حال. وواصل السيد داي حديثه بقوله: «لقي الرجال من هذه القرية أو تلك حتفهم». وأضاف: «هذا يجعل الأمر محزنا للغاية. فأنا أعرف هؤلاء الرجال».
فيروس الـ«إيبولا» يلقي بظلاله على اقتصادات دول غرب أفريقيا
ارتفاع أسعار السلع الأساسية بنسبة 150%
فيروس الـ«إيبولا» يلقي بظلاله على اقتصادات دول غرب أفريقيا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة