نبيل عمرو
كاتب وسياسي فلسطيني
TT

المستجير من الرمضاء بالنار

السيد أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل، يقترح إلحاق سكان المثلث الفلسطيني، بالدولة الفلسطينية المحتملة، وبذلك يكون القطب الثاني في حكومة نتنياهو قد وضع تفسيرا صريحا، لمصطلح يهودية الدولة، الذي أضحى موازيا في تعقيداته وصعوباته، لباقي القضايا الشائكة مثل اللاجئين والحدود وغيرها مما اصطلح على تسميتها قضايا الوضع الدائم.
التبسيط الذي يحاول فيه الأميركيون، إقناع الفلسطينيين والعرب بالفكرة، ينطوي على حل لعقدة راهنة، بالذهاب إلى تعقيد أشد، يبلغ حد الاستحالة، لو قيض لهذه الفكرة أن تفرض ثم تنفذ، ذلك أن المخرج الأميركي الذي يجري تداوله، هو إغراء الفلسطينيين بالاعتراف، مقابل قيام إسرائيل بوضع قوانين لا تمس بمصالح العرب المقيمين تحت سيادتها.
مخاوف الفلسطينيين من الاعتراف بيهودية الدولة، لها ما يبررها، ويجعلها مخاوف مشروعة، فإلى جانب تهديد مصالح مليوني فلسطيني غير يهودي يقيمون بصفتهم مواطنين في دولة إسرائيل، فإن هذا الاعتراف لو تم فإنه يضع حدا نهائيا للمطالبة بحق العودة، إذ ستصبح يد الدولة اليهودية المعترف بها فلسطينيا هي العليا، ولا يحق بعد الاعتراف بذلك أن تتم المطالبة بهذا الحق لا فرديا ولا جماعيا ولا سياسيا، وبمقتضى هذا التطور، تصبح كل القرارات الدولية المؤيدة لحق العودة كما لو أنها لم تكن، بل ستلغى فعليا من التداول.
ولقد أسدى ليبرمان خدمة مهمة للحجج الفلسطينية الرافضة للفكرة من أساسها، حين قدم مقترحه بتبادل السكان مع الأراضي، كخطوة نحو تطهير الكيان الإسرائيلي من غير اليهود، مما يفسح المجال أمام مخاوف إضافية حول مصير باقي المواطنين العرب.
لقد كانت الإدارة الأميركية الجمهورية، أكثر حكمة في التعاطي مع هذه القضية الشائكة بل والمستحيلة، حين رفعتها من التداول في قمة أنابوليس، وقبل الإسرائيليون آنذاك نظرا لكونهم، وعلى مدار كل العمل التفاوضي طويل الأمد مع الفلسطينيين وغيرهم، لم يطرحوا مطلبا كهذا، بما في ذلك محادثات أوسلو وسائر المحادثات الإسرائيلية - العربية الأخرى. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك أكثر اعتدالا من الحالي، وكان مشتبكا أو على وشك الاشتباك بمشروع تفاوضي فعال مع الفلسطينيين، لا مجال فيه لإضافة مواضيع بالغة التعقيد فوق المواضيع المعقدة أصلا.
الوزير كيري، الذي يتأهب لجولة جديدة ربما تحمل الرقم «12»، يعكف الآن ومعه خبراؤه الكثيرون، على إيجاد صيغ يمكن تمريرها في اتفاق الإطار المحتمل عرض نصوصه في الجولة المقبلة، ولقد سبقت السيد كيري تسريبات لا أحد يجزم بصحتها حول الصيغة التي سيعالج بها حكاية يهودية الدولة، منها ما سبق ذكره، بالطلب من إسرائيل وضع ضمانات قانونية لغير اليهود، ومنها فتح باب للتحفظ على النص، وفي حالة كهذه يكون الاعتراف قد وصل إلى منتصف الطريق، بحيث يكمل تطبيقه على الأرض النصف الآخر، وهذا فيه ترجيح واضح لفرض التفسير الإسرائيلي وإهمال التحفظ الفلسطيني، أو اعتبار هذه النقطة موضوع تداول جدي بين كل الأطراف.
كل ما سبق جولة كيري الثانية عشرة، يظل في نطاق التسريبات والتكهنات غير الأكيدة، إلا أن قراءة متعمقة في الفكرة، تؤدي إلى يقين بأن مجرد وضعها في سياق محاولات الحل يشبه وضع قنبلة موقوتة، قابلة للانفجار إن لم يكن في الوقت الحاضر ففي وقت قادم.
وبوسعنا القول للسيد كيري، إن المخارج التي تقترحها لمعضلة كهذه، يصدق عليها القول العربي المأثور «كمستجير من الرمضاء بالنار».