بفارق لا يتجاوز 24 ساعة إثر موت الممثل روبين ويليامز، رحلت الممثلة المخضرمة لورين باكول صباح يوم أول من أمس (الثلاثاء) عن 89 سنة من العمر. الأسباب، هذه المرة يمكن إرجاعها للشيخوخة إذ تعثر قلبها عن المواصلة وماتت في شقتها المطلة على السنترال بارك في مانهاتن، نيويورك.
باكول، صاحبة 56 دارا سينمائية و25 ظهورا تلفزيونيا ما بين 1944 و2014، عرفت كممثلة جادة وجيدة وزوجة الممثل الراحل همفري بوغارت لـ11 سنة. وتعد بعض أفلامها من كلاسيكيات السينما الأميركية.
ولدت في السادس عشر من سبتمبر (أيلول) سنة 1924 في مدينة نيويورك باسم بتي جوان بيرسك ابنة لأب من أصل بولندي وأم، باسم نتالي واينستين - باكول، من أصل روماني. والدها كان رجل مبيعات وأمها سكرتيرة لكنهما تطلقا بينما كانت لا تزال في الخامسة من العمر. لورين هي ابنة عم الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس. بعد الطلاق بقيت لجانب أمها متخذة اسم باكول ولم تشاهد والدها مطلقا بعد ذلك.
كانت ترغب في أن تصبح راقصة باليه، لكنها اقتنعت بالظهور عابرا في مسرحية قدمت في نيويورك سنة 1942 عندما كانت في الـ17 من عمرها. في تلك الأثناء أيضا عملت عارضة أزياء ومجلة «فوغ» النسائية نشرت لها صورة صغيرة استرعت اهتمام زوجة المخرج هوارد هوكس الذي كان في صدد إجراء «كاستينغ» للممثلة التي ستتولى الوقوف أمام بطله همفري بوغارت في فيلمه المقبل «يجب أو لا يجب» (To Have and Have Not) في العام التالي تزوجت من بطل الفيلم وارتوت صفحات المجلات الفنية الشعبية والترفيهية بحكاياتهما العاطفية. كان يكبرها بـ25 سنة وهذا الفارق كان واحدا من عناصر الغزل الرومانسي الذي لعبت عليه المجلات الفنية آنذاك من عينة «سكرين ستوريز» و«فوتوبلاي» و«مودرن سكرين» من بين أخرى كثيرة.
عن ذلك اللقاء الأول في الأستوديو، وبعدما اقتنع المخرج هوكس بها، تتضارب الأقاويل. في بعض أحاديثه قال المخرج «لم يمر وقت طويل حتى لاحظت أن شرارة الإعجاب بدأت بينهما»، لكنها في مذكراتها المنشورة تحت اسم «By Myself» كتبت: «طلب مني هوكس عدم التحرك من مكاني. بعد قليل عاد ومعه بوغارت. قدمنا لبعضنا البعض. لم يكن هناك رعد أو برق، فقط تحية بسيطة. بوغارت كان أخف وزنا مما اعتقدت. خمسة أقدام ونصف، يرتدي سروالا لا تقاطيع له وقميصا قطنيا ووشاحا حول عنقه. لا شيء يعد مهما قيل ولم نمض وقتا طويلا لكنه بدا رجلا لطيفا».
على الشاشة، كونا ثنائيا محببا استفادت من زخمه مجموعة الأفلام التي ضمتهما معا ومن بينها «النوم الكبير» (لهوكس، 1946) و«ممر مظلم» (دلمر دايفز، 1947) و«كي لارغو» (جون هيوستون، 1948).
* برودة نوعية
«يجب أو لا يجب» كان بداية مثالية. منح المخرج بطلته الجديدة كل الثقة. الفيلم مبني على رواية لآرنست همنغواي وأحد كاتبي السيناريو لم يكن سوى الروائي الآخر ويليام فولكنر (السيناريست الثاني هو اللامع جول فورثمان) وأحدهما هو الذي وضع العبارة الشهيرة التي نطقتها باكول وهي تدخل باب غرفتها في ذلك الفيلم التشويقي إذ تقول لبوغارت الذي وقف بعيدا: «ليس من الضروري أن تقول أي شيء، ستيف، صفر فقط. أنت تعرف كيف تصفر، أليس كذلك يا ستيف؟».
في مقابلة مع مجلة «فانيتي فير» سنة 2011 فسرت لورين باكول برودتها الظاهرة في ذلك المشهد وبل في الفيلم بأسره: «كنت أحاول التستر على التوتر الكبير في داخلي نتيجة عدم الثقة بسبب أنها المرة الأولى التي أقف فيها أمام الكاميرا».
إذا ما كان هذا التوتر موجودا، فإن القلة منا هي التي لاحظته. ذقنها المسنود إلى صدرها من باب منع ملاحظة النفس المهتاج في داخله، والتمنع عن أداء مواقف بنبرة عالية. لكن هذا «البرود» ولو كان مبررا إلا أنه كان مثيرا، وبديلا للإثارة التي وفرتها ريتا هيوارث أو آفا غاردنر قبلها أو مارلين مونرو بعدها بسنتين أو ثلاث.
في لقائها الثاني مع بوغارت بدت أكثر وثوقا وقدرة على استلام زمام الأمور. بوغارت في «النوم الكبير» هو التحري الخاص فيليب مارلو يحقق في قضية غامضة مفادها أن أحدا يبتز الشقيقة الصغرى لباكول التي تحاول مساعدة التحري لتقصي الحقيقة.
لورين باكول كانت أقل حظا في الكوميديا كما يشهد فيلمها الكوميدي الأول «كيف تتزوجين مليونيرا» (جين نيغولسكو - 1953) الذي جمعها بمارلين مونرو وبتي كرابل. كانت منافسة نسائية صعبة يمكن القول فيها إن مارلين مونرو هي التي تقدمت فيها عن منافستيها. عادت إلى الدراما، العاطفية هذه المرة، عبر فيلم لدوغلاس سيرك بعنوان «مكتوب على الريح» أمام روك هدسون. في عام 1957، بعد عام على ذلك الفيلم، توفي بوغارت. حام حولها فرانك سيناترا واتفقا على الزواج، لكن خلافا دب بينهما وتقول في مذكراتها «لقد قدم لي فرانك معروفا كبيرا: وفر علي كارثة الزواج منه».
سنة 1961 تزوجت من الممثل جايسون روباردس وتطلقت منه بعد ثماني سنوات صعبة. في تلك الفترة قل ظهورها على الشاشة، رأيناها في دور طبيبة نفسية في «العلاج بالصدمة» (دنيس ساندرز، 1964) و«الجنس والعازبة» (رتشارد كوين، 1964) ثم «هاربر» (أفضلها لجاك سمايت، 1966).
بعد طلاقها من روباردس عادت سنة 1974 في فيلم جامع بعنوان «جريمة قطار الشرق السريع»، أحد مؤلفات أغاثا كريستي التي فشل سيدني لوميت في احتوائها جيدا. دون سيغال كان له حظ أوفر في «محترف إطلاق النار» (The Shootist) من نوع الوسترن حول حياة محترف عجوز قتل مصاب بالسرطان (جون واين) وقامت باكول فيه بدور صاحبة النزل الذي يحط فيه واين.
بعد ذلك، وبينما كانت تعير موهبتها لأعمال تلفزيونية مختلفة، لم تشهد مسيرتها السينمائية أي إنجازات إيجابية باستثناء ذلك الدور الذي أدته تحت إدارة روبرت ألتمن في «جاهز للبس» سنة 1994 وأسند إليها الدنماركي لارس فون ترايير دورا، مساندا أيضا، في «دوغفيل» (2003) الذي لم يشعر به سوى جمهور المثقفين.
آخر دور سينمائي لها نجده في «أرنست وسيلستين»، أنيميشن ظهر قبل عامين وأدت فيه دورا بصوتها. لكنها بقيت نشطة تلفزيونيا وظهرت في حلقة من «رجل العائلة» الكوميدي في مطلع هذا العام.
* من أقوال لورين باكول
«النجومية ليست مهنة.. إنها صدفة».
«النظر إلى صورتك في المرآة لا يعني التعمق في معنى الحياة».
«في هوليوود الاتفاق على تسوية منصفة عند الطلاق يعني أن الطرفين سيحصلان على 50 في المائة من الدعاية».
«اعتقد أن حياتك بأكملها مرسومة على وجهك ويجب أن تكون فخورا بذلك».
«صارعت للفوز بدور البطلة في فيلم (تصميم النساء)، أردته باستماتة وفعلت كل شيء لأحصل عليه». غريس كيلي قالت لي «لن أسامحك أبدا إذا أخذتيه، لقد كتب خصيصا من أجلي».. «أخذت هي الأمير وأخذت أنا الدور».
«كم أتمنى لو يتوقف فرانك سيناترا عن الكلام ويغني».
«هاك اختبار لمعرفة إن كانت مهمتك في الحياة قد انتهت.. إذا كنت ما زلت على قيد الحياة، فهي لم تنته».