تعيش الساحة السياسية في موريتانيا حالة من الشد والجذب بين الموالاة والمعارضة، بعد فشل الطرفين في المشاركة جنبا إلى جنب في مسيرة تضامنية مع سكان قطاع غزة؛ ويأتي هذا التسخين السياسي أياما قليلة قبيل موعد حفل تنصيب الرئيس محمد ولد عبد العزيز لولاية رئاسية ثانية، في الثاني من أغسطس (آب) المقبل.
وكانت هيئة نقابية موريتانية قد سعت الأسبوع الماضي إلى تنظيم مسيرة شعبية تجمع مختلف أطراف المشهد السياسي من معارضة وموالاة، من أجل تأكيد دعم الشعب الموريتاني لسكان قطاع غزة، ولكن المسيرة فشلت بعد انسحاب المعارضة احتجاجا على رفع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم لشعاراته، وهو ما قالت المعارضة إنه خرق لأهداف المسيرة.
وفي هذا السياق، قال عبد الله ولد حرمة الله، عضو المجلس الوطني لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، لـ«الشرق الأوسط» إن «حضور حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، من خلال مناضليه ولافتاته، يعكس المشهد السياسي؛ فهو حزب يحتل الأغلبية على مستوى المؤسسات المنتخبة»؛ ولكن ولد حرمة الله قلل من شأن هذا النقاش، وقال «أعتقد أن المقام لا يتسع لتنازع المشاركة في مواساة الفلسطينيين، لأن أول متضرر وأول من ينبذ هذا الأسلوب هم الفلسطينيون أنفسهم، لأنهم يريدون أن يجمعوا أحرار العالم».
وأشار ولد حرمة الله الذي شارك في المسيرة ورفع شعارات حزبه، إلى أن «مسيرة التضامن مع غزة كانت فرصة للطبقة السياسية حتى تكون في مستوى المطالب الجماهيرية التي تريد أن تواسي سكان غزة فيما يتعرضون له في العشر الأواخر من رمضان، وحزب الاتحاد من أجل الجمهورية عبر عن وفائه لهذا التوجه، الذي بدأ مع رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز حين قطع العلاقات مع إسرائيل، واستعمل جرافات الجيش الموريتاني لإزاحة هذه السفارة التي كانت تحتل حيا بكامله في نواكشوط».
من جهته، دافع الإمام أحمد ولد محمدو، مسؤول الإعلام في حزب تكتل القوى الديمقراطية المعارض، عن انسحاب قادة المعارضة من المسيرة، وقال «لا أحد يشك في أن المعارضة متضامنة مع سكان قطاع غزة، لأن بعض قادتها سبق أن سجنوا دفاعا عن فلسطين، ولكننا انسحبنا لأن ما حدث في المسيرة كان تصرفا يرثى له، فالجميع اتفق على أن تكون مسيرة جامعة وخالية من الأعلام والشعارات الحزبية، وبعيدة عن أي أجندات أو حسابات سياسية وهذا ما لم يحدث».
وأضاف ولد محمدو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن قادة المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، الذي يعد أكبر تشكيل سياسي معارض في البلاد، اتفق مع الهيئات النقابية المنظمة للمسيرة، على أن تكون خالية من أي شعارات حزبية. وخلص إلى القول «انسحبنا عندما رفع الحزب الحاكم شعاراته، فنحن لم نأت من أجل الصراعات السياسية وإنما من أجل سكان قطاع غزة المستباحة دماؤهم»، على حد تعبيره.
في غضون ذلك، قال الحزب الحاكم إن منتدى المعارضة يتحمل مسؤولية إفشال المسيرة الداعمة لغزة، مشيرا إلى أنه «عاد لعادته القديمة ومال من جديد إلى أسلوب المزايدة والهروب إلى الأمام من خلال عملية تشويش متعمدة ومقاطعة مكشوفة لم تستند إلى أي مسوغ».
وأضاف الحزب أنه «لا معنى لمنع متظاهرين سياسيين من حمل يافطات تعكس مواقفهم ورؤاهم في جو من التنوع والاحترام المتبادل».
وأشار الحزب الحاكم إلى أن «مقاطعة مسيرة غزة من طرف المنتدى تضاف إلى مقاطعته لحوار 2011 ومقاطعة الانتخابات البلدية والتشريعية عام 2013 ومقاطعة الانتخابات الرئاسية الأخيرة»، مؤكدا أن المعارضة «دأبت على نهج المقاطعة والتعويل عليها سياسيا وإعلاميا».
من جهة أخرى، انتقدت الهيئات النقابية «التجاذب السياسي» الذي أفشل المسيرة، وقالت الهيئات في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كنا في غنى عن القرار الذي اتخذه الحزب الحاكم برفع شعاراته خلال المسيرة، كما أن قادة المعارضة تسرعوا في الانسحاب ونحن نحاول إقناع الحزب بسحب شعاراته».
بدوره، قال الكاتب الصحافي حبيب الله ولد أحمد لـ«الشرق الأوسط» إن «دعم الموريتانيين للقضية الفلسطينية مع الأسف الشديد راح ضحية التجاذب السياسي»، مشيرا إلى عمق الشرخ الحاصل بين معسكري المعارضة والموالاة، لدرجة أنه وصل لقضية طالما كانت محل إجماع لدى الموريتانيين، وقال ولد أحمد «التجاذب السياسي أفقد المسيرة محتواها ففشلت فشلا ذريعا، ولم تتمكن من إيصال الرسالة، كان بودنا لو أن جميع الموريتانيين شاركوا فيها بمختلف رؤاهم السياسية وتنوعهم الثقافي والعرقي، فساروا جنبا إلى جنب خلف القضية الفلسطينية الموحدة والجامعة، فنمشي في مسيرة ترفع علمي موريتانيا وفلسطين، فنحن لم نأت لنسير خلف يافطة حزبية أو شعار سياسي، نحن جئنا فقط لأن غزة تجمعنا»، وفق تعبيره.
وفي ظل التسخين السياسي الذي تعيشه موريتانيا هذه الأيام، يستعد ولد عبد العزيز للتنصيب لولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، تراهن فيها المعارضة على التصعيد أمام تمسك ولد عبد العزيز بطريقة حكمه ورفضه تشكيل حكومة وحدة وطنية.
ولم يعلن ولد عبد العزيز حتى الآن الشخصية التي ستقود الحكومة خلال المأمورية الرئاسية المقبلة، في ظل توقعات من طرف مراقبين بإمكانية تجديد الثقة في رئيس الوزراء الحالي مولاي ولد محمد لقظف الذي رافق ولد عبد العزيز منذ وصوله إلى الحكم بانقلاب عسكري عام 2008.
موريتانيا تعيش على إيقاع تسخين سياسي بين المعارضة والموالاة أياما قبيل تنصيب الرئيس
فشل مسيرة تضامنية مع غزة بسبب التجاذب بينهما
موريتانيا تعيش على إيقاع تسخين سياسي بين المعارضة والموالاة أياما قبيل تنصيب الرئيس
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة