ديانا مقلد
كاتبة واعلاميّة لبنانيّة
TT

جريمة النظام السوري

«عندما أقرأ أسماء شهداء سدّي فمك.. اخجلوا مما تفعلون...».
قد تكون هذه الجملة المستقطعة من صدام كلامي بين النائب العربي في الكنيست الإسرائيلي أحمد الطيبي ونائبة إسرائيلية مستوطنة حول خلفية اشتعال الوضع الفلسطيني - الإسرائيلي والقصف الإسرائيلي العنيف على غزة - واحدة من أكثر اللحظات الإعلامية والسياسية إثارة بشأن التدهور الأمني الحاصل في غزة..
فالحماسة في الدفاع عن ظلامة الفلسطينيين بالكاد نلحظها، وهي في غالب الأحيان مفتعلة. ففضلا عن بعض الأصوات، إلا أنه لا صدى فعليا لما يحصل في غزة. وهنا، علينا أن نقر بأن محنة فلسطينيي القطاع لم تجد سبيلا سهلا إلى عقل ووجدان شرائح كثيرة من الرأي العام العربي رغم كل الأرواح التي أزهقت بالقصف الإسرائيلي، ومن بينها الكثير من الأطفال والعائلات.
بدا لافتا كسل الإعلام العربي، بل وتردده وبرودته، في تغطية حدث أمني وإنساني أودى خلال أيام قليلة بحياة عشرات وجرح المئات من الفلسطينيين. ظهر ذلك أيضا في تعليقات قاسية وصادمة لم يتورع عنها البعض، فقد جاهر بعض المعلقين المعروفين في مصر وبعض دول الخليج بتأييد القصف الإسرائيلي والتهليل له بذريعة أنه قصف لحركة حماس، مما ضاعف من المأساة الفلسطينية وجعلها أسيرة السياسة.
نعم، تخضع التغطية الإعلامية للقصف الإسرائيلي على غزة لعدة عوامل؛ أساسها الموقف السياسي. فالرأي العام العربي، ومعه الإعلام طبعا، قدم مقاربة مشوشة حيال الموقف من حركة حماس، فغالبا ما يجري اختزال قطاع غزة بها.
رغم كل الصور ومشاهد الضحايا، بدا أن هذه المأساة تصطدم بحائط.. إذ ليس عابرا ألا تحرك المأساة المستجدة في غزة وجداناتنا، وعلينا ربما البحث لنعرف أين يقيم العطب في علاقتنا بالقضية الفلسطينية..
نعم، لقد فعلت السنوات الثلاث الأخيرة فعلها لجهة كشف الخطاب المنافق حيال القضية الفلسطينية.. واليوم، يبدو أكثر من أي وقت مضى كم أن الإعلام، والمجتمع العربي، مشتت ومرتبك حيال الموقف مما يجري في غزة..
القضية الفلسطينية بهذا المعنى ضحية أولى للخطاب الممانع الذي يتصدره النظام السوري؛ ذلك أن هذا النظام سعى لابتذال القضية الفلسطينية في سياق حربه على شعبه.. فالخطاب الرسمي السوري مؤداه «نحن نقتل شعبنا من أجل أن نحرر فلسطين»، والحال أنه يقتل شعبه ليبقى في السلطة لا ليحرر فلسطين..
صور ضحايا مجازر النظام لم تحرك فينا الكثير، وها هي المأساة تتكرر مع صور الضحايا الفلسطينيين. صار صعبا إنتاج محمد درة ثان، رغم أن الضحية الفلسطينية ما زالت ضحية، ورغم أن إسرائيل ما زالت معتدية ومحتلة.. فمحمد أبو خضير - الفتى الذي أحرقه المستوطنون، وابن عمه طارق الذي اعتدى الجنود الإسرائيليون عليه لم تعطهما الصورة حقهما لجهة تظهير صورة المعتدي وصورة الضحية، رغم أن حكايتهما جلية وبالغة الدلالة. الصعوبة هنا تتمثل في أن مقارنة ظالمة، لكنها واقعية، تحضر. ففي يوم الاعتداء على كل منهما ثمة عشرات الضحايا الآخرين في سوريا والعراق.. وفلسطين التي لم تعد مأساة المشرق الوحيدة ثمة من أساء إليها عندما كشف عن مآس تفوقها رقميا ومشهديا.. هنا، تماما جريمة النظام السوري..
diana@ asharqalawsat.com