مشاري الذايدي
صحافي وكاتب سعودي. عمل في عدة صحف ومجلات سعودية. اشتغل في جريدة المدينة السعودية في عدة أقسام حتى صار عضو هيئة التطوير فيها. ثم انتقل لـ«الشرق الأوسط» من 2003، وتدرَّج بعدة مواقع منها: المشرف على قسم الرأي حتى صار كبير المحررين في السعودية والخليج، وكاتباً منتظماً بها. اختير ضمن أعضاء الحوار الوطني السعودي في مكة المكرمة. وشارك بأوراق عمل في العديد من الندوات العربية. أعدَّ وقدَّم برنامجي «مرايا» وبرنامج «الندوة». في شبكة قنوات «العربية».
TT

الشيخ الجزائري الذي لا يحبه جهيمان!

حين أعلن قبل يومين عن وفاة الشيخ أبو بكر الجزائري لم يرد على ذهني إلا أنه تشابه أسماء، فالشيخ جابر الجزائري الذي نعرف خلتُ أنه قد رحل عن دنيانا منذ أمد! غير أن بعد الشيخ الجزائري في خريف عمره وذبالته هو الذي أورثني هذا الإحساس، كما أن الشيخ جابر قد طعن في السن و«تكاليف الحياة» رحمه الله.
أتذكر اليوم هذا الرجل الذي هاجر مع أسرته في أول الخمسينات إلى السعودية و«جاور» بالمسجد النبوي بالمدينة على طريقة العلماء من مشارق الأرض ومغاربها عبر القرون.
صار الشاب الجزائري المتدين سليل التقاليد المالكية ومدارس جمعية العلماء الجزائريين بقيادة الرمز الديني الثوري الأول الشيخ عبد الحميد بن باديس، بعد ذلك نجماً في سماء الوعظ والحركة الدينية في السعودية والعالم الإسلامي.
ولد صاحبنا في قرية ليوة بولاية بسكرة جنوب الجزائر عام 1921 ليكون قد قارب المائة عام، إلا قليلاً، حين توفي.
عمل مدرساً في بعض مدارس وزارة المعارف، وبدار الحديث في المدينة المنورة، وعندما فتحت الجامعة الإسلامية عام 1960 كان من أوائل المدرسين بها، حتى أحيل للتقاعد عام 1986.
الحق أن أهمية هذا الرجل الذي درّس بباحات المسجد النبوي وفسّر القرآن لنصف قرن، وأنا حضرت شخصياً بعض دروسه بالحرم النبوي، هي في كونه من صنّاع وشهود الحياة الدينية والحركية في السعودية، خاصة المدينة المنورة.
لن تكتمل حكاية الجامعة الإسلامية بالمدينة، ولا ملف جماعة جهيمان التي احتلت الحرم المكي لأسبوعين عام 1979 دون حديث ورأي ورؤية وشهادة أبو بكر جابر الجزائري.
كان الرجل في البداية مرشداً لجماعة جهيمان، بتوجيه من الراحل مفتي البلاد الشيخ بن باز، حسب شهادات كثيرة منها شهادة الأستاذ ناصر الحزيمي، ثم اختلف معهم لاحقاً بعدما هاجموا بعض المحلات بالمدينة وكسروها بحجة حرمة رفع الصور. كان ذلك عام 1965 حسب الحزيمي، وهو كان عضواً نبيهاً في الجماعة، وحالياً باحث وكاتب مرموق.
ثم تطور الأمر بعدما أعلن جهيمان العداوة الدينية نابذاً شرعية الحكم، هنا كان الانفصال وبدأ جهيمان شخصياً يتهم الجزائري بكتابة تقارير عنهم للسلطات.
لست أدري هل دوّن الشيخ أبو بكر الجزائري هذه الذكريات، ليس فقط عن علاقته المعقدة بجماعة جهيمان، و«بيت الحرّة الشرقية» بالمدينة، بل عن أجواء الجامعة الإسلامية والجدل السياسي الفكري الديني المتفجر حينها بالمشهد المحلي الجديد عليه هذه الجدليات الوافدة؟
الأكيد أن الراحل إن لم يكن فعل ذلك، كغيره، فقد خسرنا جانبا مهماً من التاريخ.
رحمه الله.
[email protected]